ترك برس

تمر "ترك تيليكوم" كبرى شركات الاتصالات في تركيا وأكبر شركة تمّت خصخصتها في تاريخ البلاد، بقضية قد تعيدها إلى ملكية الحكومة التركية مرة أخرى، وذلك بعد 12 عامًا على خصخصتها في عام 2005، بشراء شركة "أوتاس" التابة لمجموعة "أوجيه تيليكوم" المملوكة لعائلة الحريري اللبنانية، 55 بالمئة من أسهم الشركة.

تتلخص القضية التي تمر بها الشركة مؤخرًا في تأخر شركة أوتاس بدفع ديون مترتبة عليها، فقد انقضى الموعد النهائي لسداد دين على الشركة بقيمة 4.75 مليار دولار في 1 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري حسبما حددت وزارة الخزانة التركية، وسط أنباء عن دراسة الخزانة التركية إجراء تغييرات مؤقتة في المجلس التنفيذي لشركة ترك تيليكوم.

وصرح وزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية أحمد أرسلان في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي بأن "الملكية ربما تتغير في (ترك تيليكوم). وستقوم الخزانة أو نحن، كممثلين عنها، بفعل المطلوب بموجب العقد". وأضاف أنه لا يمكن السماح بتآكل مؤسسة بارزة مثل ترك تيليكوم، مؤكدًا أن "القضايا التي يتعرض لها مُلّاك أسهم ترك تيليكوم لا يمكن أن تؤثر على عملها وتطوّرها".

ووفقًا لإدارة المعلومات وإدارة الاتصالات التركية، فقد حققت ترك تيليكوم أرباحًا بقيمة 2.5 مليار دولار في عام 2014، و1.3 مليار دولار في كل من 2015 و2016. وبناء على هذه الأرقام، تؤكد الحكومة أن المشكلة ليست متعلقة بترك تيليكوم نفسها، لكنها تكمن في فشل غالبية مُلّاك أسهمها في سداد الديون المترتبة عليهم.

تُمثّل ترك تيليكوم أكبر شركة تمّت خصخصتها في تاريخ تركيا، بقيمة بلغت 6.5 مليار دولار من أصل إجمالي عوائد الخصخصة البالغة 72 مليار دولار. وفي مزاد أقيم في 1 تموز/ يوليو 2005، قدمت مجموعة أوجيه للاتصالات العرض الأكبر بقيمة 6.55 مليار دولار، متفوقة على عرض مجموعة إتصالات جاليك هولدنغ البالغ 6.5 مليار دولار.

ويُذكر أن وزير الطاقة التركي برات البيرق كان من أعضاء المجلس التنفيذي لمجموعة جاليك هولدنغ.

وفي حين تملك مجموعة أوجيه أغلبية 55 بالمئة من الشركة، تملك وزارة الخزانة التركية 25 بالمئة منها، تتضمن "حصة ذهبية". ويملك صندوق الثروة التركي الحكومي 5 بالمئة، فيما يتم تداول 15 بالمئة من أسهم الشركة بين عامة المستثمرين.

وتعود مشاكل عدم السداد لشركة أوتاس إلى قروض أُخِذت في عام 2013. إذ قالت الشركة بعد المزاد إنها ستدفع 20 بالمئة من ثمن العطاء نقدًا، والباقي على خمس دفعات متساوية. لكنها أخذت في عام 2007 قرضًا بقيمة 4.3 مليار دولار وسدّت دينها للحكومة التركية. ثم في عام 2013، أعادت تمويل قروضها العائدة إلى عام 2007 من خلال قروض جديدة بقيمة 4.48 مليار دولار و211.97 مليون يورو من مجموعة من البنوك.

وفي بيان لمنصة الإفصاح العام، قالت ترك تيليكوم إن كلًا من بنك "بي أن بي باريباس فورتيس"، و"سيتي"، و"دويتشه بانك"، و"جي بي مورغان"، والبنوك التركية "أك بانك" و"غارانتي بانك" كانوا مشتركين في الصفقة، التي سمحت للبنوك بالاستحواذ على حصة أوتاس في ترك تيليكوم مقابل الدين غير المُسدّد.

وقد أضاف نزول قيمة الليرة التركية مقابل الدولار مؤخرًا إلى مشاكل سداد أوتاس، بعد تجاوز سعر صرف الدولار 3.6 ليرة تركية هذا الأسبوع، فيما تتضاءل الآمال بحلحلة مشاكل الشركة.

وبعد انقضاء الموعد النهائي الذي حددته الخزانة بعد عدد من رسائل التنبيه إلى الشركة في الشهور الماضية، تتّجه كل العيون إلى الحكومة التركية. فبموجب العقد الموقع مع أوتاس، تملك وزارة الخزانة التركية الحق في إجراء تغييرات في المجلس التنفيذي لشركة ترك تيليكوم إذا كانت الشركة تمر بمشاكل بعد الخصخصة. وهنا يظل الخيار مفتوحًا بيد الحكومة التركية لاستبدال سبعة من أعضاء المجلس؟

فشلت أوتاس في التوصل إلى صفقة مع البنوك قبل انقضاء الموعد النهائي في 1 تشرين الأول الجاري. وعرضت شركة سعودي تيليكوم، التي تملك 35 بالمئة من أوتاس ضخ سيولة نقدية فيها من خلال شراء مزيد من الحصص، لكن العرض لم يتحقق حتى الآن. وذكرت وكالة رويترز أن الشركة المالكة لأوتاس، أوجيه للاتصالات لم تسدد الدفعة الثالثة في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد فشلها في سداد دفعتين بقيمة 290 مليون دولار لكل منها في كل من آذار/ مارس وأيلول 2016.

ووفقًا لأنور إركان، الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال أف أكس، فإن ميزانية ترك تيليكوم لتسع شهور تشير إلى امتلاك الشركة سيولة نقدية أو ما يكافئها تقدر بـ3.15 مليار ليرة تركية (تعادل 870 مليون دولار)، وصافي دين بقيمة 10.45 مليار ليرة تركية (تعادل 2.87 مليار دولار). يقول إركان: "تقدر الأصول الحالية للشركة بـ9.2 مليار ليرة، مما يعني أنه لا يمكن سداد الدين بالأصول المتوفرة حاليا".

تشير تحليلات السوق إلى أن الدائنين يفضلون تدخل وزارة الخزانة التركية، لاعتقادهم أنها ستعزز احتمال إعادة السداد. وبالمثل، يتوقع أن يفتح تدخل وزارة الخزانة الباب لإعادة هيكلة الديون. فيما يتحمل قطاع البنوك كذلك قرضًا لشركة اتصالات أخرى بقيمة 1.6 مليار دولار، أصدره بنك الزراعة الحكومي لمجموعة تشوكوروفا هولدنغ في عام 2014 لصالح شركة ترك سيل، أكبر مشغلي الهاتف المحمول في تركيا.

كل ذلك أضاف إلى توقعات حدوث تدخل حكومي قوي. وبدلا من ذلك، في حال تعثر قرض بهذا الحجم، فإن البنوك ستصبح مجبرة قانونيًا على تخفيض المخصصات المتاحة للإقراض، مما قد يؤثر سلبًا على أداء قطاع البنوك ومستقبله.

وصلت القضية في الأسبوع الماضي إلى البرلمان التركي، حين قدّم عضو من حزب المعارضة الرئيسي مذكرةً طالب فيها بتحقيق برلماني في مسألة ترك تيليكوم.

وفي هذه الأثناء، طالبت شركة سعودي تيليكوم بتمديد الموعد النهائي للسداد فيما تواصل المحادثات مع الدائنين بشأن إعادة جدولة دين شركة أوجيه. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد كتبت سعودي تيليكوم للخزانة مطالبة إياها بمزيد من الوقت حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. كما يتوقع أن يقيّم كل من رئيس الوزراء التركي ووزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية الطلب كذلك.

يبدو أن المشكلة التي تمر بها شركة ترك تيليكوم ستستمر لبعض الوقت. ويصعب الآن توقع حجم الضرر الذي ستتسبب به. تنظر الحكومة إلى المشكلة على أنها تتعلق بمالكي الأسهم، لكن البنوك تترقب الحل من الحكومة. يتوقع جدًا أن تعود ملكية الأسهم التي تمت خصخصتها إلى الحكومة، مما قد يعني العودة إلى المربع الأول في عملية خصخصة الشركة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!