د. علي حسين باكير - صحيفة القبس

أعلن وزير المالية التركي ناجي اقبال أنّ إنفاق الموازنة العامة التركية لعام 2018 سيبلغ حوالي 208 مليارات دولار، في وقت يتوقّع فيه ان يبلغ حجم إيرادات العام نفسه حوالي 191 مليار دولار، بما في ذلك قرابة 164.5 مليار دولار عائدات متأتّية من الإيرادات الضريبية.

وعلى الرغم من أنّ مشروع الموازنة المرسلة الى الحكومة في 16 أكتوبر يظهر عجزاً يبلغ قرابة 17 مليار دولار، فإنّ أداء الحكومة العام الحالي أظهر تقدّماً ملحوظاً، فقد سجّلت الأشهر التسعة الأولى عجزاً في الموازنة العامة، بلغ حوالي 8.7 مليارات دولار، وهو ما يساوي قرابة نصف التقديرات التي كانت متوقّعة للعجز لكامل عام 2017.

ووفقاً لوزير المالية، ستذهب حصّة الأسد من مشروع الموازنة العامة لعام 2018 الى قطاع التعليم مرّة أخرى، لكن العنصر اللافت للانتباه في مشروع الموازنة الجديد هو الإنفاق الدفاعي الذي سيحصل ــــ على ما يبدو ــــ على دفعة قوية العام المقبل.

وبموجب مشروع الموازنة، ستتم زيادة الإنفاق الدفاعي كما سيتم تخصيص حوالي 5 مليارات دولار لعملية التحديث في قطاع الدفاع، وذلك استناداً الى التصريحات التي ادلى بها وزير المالية، وهو الامر نفسه الذي كان نائب رئيس الوزراء محمد شمشك قد أشار إليه في بداية أكتوبر، عندما أكّد أنّ هناك حاجة لزيادة الإنفاق الدفاعي، نظراً إلى المخاطر الخارجيّة المتأتيّة عن الوضع في الدول المجاورة.

ويبلغ حجم مخصصات الدفاع في مشروع موازنة 2018 حوالي 25 مليار دولار من أصل حوالي 208 مليارات، حجم النفقات المتوقّعة.

استناداً الى ما قاله شمشك، فان الزيادة المتعلّقة بشراء أسلحة جديدة سيتم تأمينها من خلال العوائد الضريبية بشكل أساسي، بدلاً من الاستدانة كما جرت عليه العادة، مشيرا الى انه سيتم تحويل حوالي 5 مليارات دولار الى الصناعات الدفاعية لشراء أسلحة جديدة عام 2018.

في سبتمبر الماضي، تم الإعلان عن الخطة الاقتصادية الجديدة في تركيا وتضمّنت زيادة في الضرائب التي من المفترض أن يتم استغلال جزء منها من اجل تأمين الزيادة في الإنفاق الدفاعي.

بعض الضرائب المقترحة في الخطة أثارت كثيراً من اللغط؛ أبرزها الزيادة المقترحة على السيارات بنسبة %40، وهي الزيادة الأكثر جدلاً لهذا العام.

نتيجةً للجدل الذي ثار حول هذه النسبة المرتفعة، أعلنت الحكومة في 2 الجاري أنّها ستعيد تقييم النسبة، وستعمل على تخفيضها الى مستوى معقول.

واستناداً إلى تقييم شمشك، فمن المنتظر ان تؤمّن الضرائب على السيارات لعام 2018 حوالي 560 مليون دولار ستذهب لتمويل المشتريات الدفاعية.

زيادة الإنفاق الدفاعي
إذا ما عدنا قرابة عقد من الزمان الى الوراء وقارنا حجم الإنفاق الدفاعي التركي السنوي بالعملة الأجنبية الدولار، فسنلاحظ تفاوتاً ملحوظاً في الأرقام بالإضافة الى تقلّب سنوي زيادةً ونقصاناً، وهو ما يعني انّ أرقام الدولار لا تعطينا فكرة دقيقة عن الإنفاق الدفاعي لناحية حجم المصروفات، بسبب تفاوت سعر الصرف، ولذلك فمن المهم بمكان مقارنة الإنفاق بالليرة التركية أو بالاعتماد على النسبة المتعلّقة بالناتج المحلي الإجمالي.

وفقاً للأرقام الصادرة عن تقرير حول الإنفاق الدفاعي في دول الناتو، فان الإنفاق الدفاعي التركي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي آخذ في التراجع خلال السنوات الست الماضية، من %1.93 عام 2010 الى %1.56 عام 2016. لكن وفقاً للمشروع موازنة عام 2018، من المنتظر أن يرتفع الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الى حوالي %2.

تشير قاعدة بيانات «سبيري» لعام 2016 الى انّ تركيا احتلت المرتبة الــ 18 في الإنفاق العسكري مباشرة خلف اسبانيا، ومتقدّمة بمرتبة واحدة فقط عن إيران التي احتلت المرتبة الــ 19، وذلك بواقع 14.9 مليار دولار.

يرى بعض الخبراء في المجال الدفاعي انّ إنفاق %2 من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع هي نسبة مقبولة جدّاً لتركيا، خاصّة انّها تتماشى مع متطلبات حلف شمال الأطلسي، وهي تبقى أقل ممّا يحتاجه قطاع الدفاع التركي في حقيقة الأمر.

في المقابل، يعتقد آخرون انّ زيادتها الى %2.5 ستكون شيئا جيدا، خاصّة في ظل التحديات غير التقليدية المتزايدة التي تواجه تركيا على المستويين العسكري والأمني خلال السنوات القليلة الماضية داخل البلاد وخارجها.

الجزء الأكبر من الموازنة الدفاعيّة يذهب تقليديا الى النفقات المتعلقة بالموظفين.

على سبيل المثال، حوالي %50 من موازنة عام 2014 ذهبت الى النفقات المتعلّقة بالموظفين؛ كالمعاشات والمخصّصات الإضافية ومدفوعات التقاعد للمتقاعدين.

ووفق بعض المصادر العسكرية، فقد ارتفعت هذه النسبة مع نهاية عام 2016 الى حوالي %70، في حين يذهب الباقي الى شراء أنظمة تسليحية جديدة نسبة %25، وعمليات مشاريع التحديث والتطوير الدفاعية المحلّية بنسبة %5.

ويتيح النمو المتواصل للاقتصاد التركي فرصة زيادة الموازنة الدفاعية من دون اعتراضات كبرى؛ إذ من المتوقّع ان يقوم البنك الدولي بمراجعة توقعاته للنمو الاقتصادي للعام الحالي الى حدود %5.1 وأن تبلغ نسبة نمو الاقتصاد خلال العام المقبل %3.5.

الاكتفاء الذاتي
وتتطلّب التحديات الأمنيّة والدفاعية التي تواجهها تركيا على الصعيد الإقليمي زيادة في الإنفاق للحفاظ على جهوزية القوات المسلحة، لا سيما أنّ الجيش يعتبر ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، كما أنّ العمليات التي تقوم القوات المسلحة بتنفيذها داخل كل من سوريا والعراق مؤخراً تحتاج الى تمويل، خاصّة أنّه من غير المتوقّع لها ان تنتهي قريبا بعد أن قام البرلمان بتجديد الصلاحيات التي تتيح للجيش تنفيذ عمليات خارج حدود البلاد للدفاع عن الأمن القومي.

أمّا العامل الثالث في المعادلة، فيتعلّق بتطلّع تركيا الى الاكتفاء الذاتي دفاعياً بحلول الذكرى المئوية لإنشاء الجمهورية، والى زيادة حجم صادراتها من المنتجات العسكرية. وعلى الرغم من انّه هدف طموح جدّاً، فإنّ الجانب التركي كان قد حقق تقدّما مذهلا بالفعل في هذا المجال، عبر توطين صناعة الدفاع، بل والتحوّل الى التصدير، كذلك.

وفقاً لهيئة مصدّري صناعة الدفاع والطيران، فانّ صادرات تركيا الدفاعية وصلت عام 2016 الى 1.677 مليار دولار، أي بزيادة حوالي %90 عن عام 2011. وتصدّر تركيا حاليا حوالي ثلث انتاجها من الصناعات الدفاعية البالغة حوالي 5 مليارات دولار، وتساوي صادراتها في هذا المجال حوالي %1 من مجمل الصادرات التركية.

جزء من هذا التقدّم يعود الى اتفاقات الشراكات ومخصّصات الأبحاث والتطوير في القطاع الدفاعي والجزء الآخر يعود الى العقود المتعلّقة بنقل التكنولوجيا، وهو الامر الذي ادّى الى تزايد الاعتماد على الصناعات الدفاعية المحليّة لتلبية احتياجات القوات المسلّحة، لتصل الى نسبة %68 خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس