جمال الهواري - خاص ترك برس

من المتعارف عليه أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة هو المنصب الأقوى والأخطر في الدولة "خصوصاً في البلاد ذات الطابع الديكتاتوري والعسكري في الحكم"، كون وزير الدفاع هو حلقة الوصل بين القيادتين السياسية والعسكرية، بينما رئيس الأركان هو المتحكم الحقيقي والفعلي بالقوات المسلحة على الأرض بكافة أفرعها وتشكيلاتها.

في الحالة المصرية صاحب المنصب هو الفريق "محمود حجازي" والذي تربطه المصاهرة مع قائد الإنقلاب العسكري "عبد الفتاح السيسي" فنجل السيسي متزوج من إبنته، وكلاهما خريج نفس الدفعة "دفعة65 حربية" عام74، وأعضاء في المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور في البلاد بعد ثورة يناير/كانون ثان 2012 حتى تسليم السلطة للرئيس المنتخب محمد مرسي في ال30 من يونيو/حزيران 2012، وعقب الإنقلاب العسكري في ال3 من يوليو/تموز 2013، والكثيرون ينظرون إليه باعتباره رجل السيسي القوي والمخلص داخل الجيش والداعم له في كل خططه بدءاً من توليه إدارة المخابرات الحربية والإستطلاع خلفاً للسيسي بعد ترقيته لرتبة الفريق أول وتعيينه وزيراً للدفاع في عهد الرئيس محمد مرسي في أغسطس/آب 2012، مروراً بكونه همزة الوصل والشاهد على الإتفاق الذي جمعه مع صدقي صبحي "رئيس الأركان" وقتها و السيسي"وزير الدفاع"، عقب عزم الأخير  القيام بخلع بزته العسكرية وخوضه لإنتخابات الرئاسة في مايو/أيار 2014 ليجني ثمار إنقلابه العسكري ويستحوذ على كرسي الرئاسة، وأيضاً برز إسم "حجازي" كونه المنسق للملف العسكري والسياسي المصري في ما يخص الشأن الليبي منذ أكثر من عام.

 وتم الإتفاق حينها على تولي صدقي صبحي حقيبة الدفاع ومنصب محصن دستورياً لفترتين رئاسيتين وتولي حجازي رئاسة الأركان فيما يشبه صفقة "تأمين ومكاسب ثلاثية" صبحي أمن منصبه لثماني سنوات"حال تولى السيسي الرئاسة لفترة ثانية"، والثاني أمن نفسه بصهره وحجازي أمن تواجده في أقوى منصب عسكري في الدولة، واستمرت العلاقة على هذا المنوال حتى بدأ السيسي محاولاته لتعديل الدستور في أغسطس/آب الماضي لمد فترة رئاسته وبالتبعية كانت ستمد فترة تحصين وزير الدفاع، والتي اصطدمت برفض أمريكي غير مباشر عبر خصم مبلغ 300 مليون دولار من المساعدات بحجة وضع حقوق الإنسان، لكنها كانت في الحقيقة رسالة تحذير للسيسي من رعاته الأمريكان والأوربيين من عواقب كارثية لتلك التعديلات في ظل الوضع الداخلي" الهش" من الأصل، وأيضاً كون صبحي هو من قام بدور همزة الوصل بين المتآمرين على الرئيس محمد مرسي والسفارة الأمريكية في القاهرة أثناء التجهيز للإنقلاب وتربطه علاقة جيدة بالأمريكان، ويمكن اعتبار تلك اللحظة هي الفارقة في علاقة شركاء الأمس لتتحول إلى علاقة يشوبها الحذر وعدم الثقة.

وفجأةً وبدون سابق إنذار وبعد أقل من يومين من عودة السيسي من زيارته لفرنسا تزامناً مع عودة حجازي من واشنطن عقب مشاركته في مؤتمر بشأن مكافحة الإرهاب، والذي شارك فيه رؤساء الأركان لجيوش مصر والسعودية والأردن والإمارات والكيان الصهيوني بجانب الولايات المتحدة وعدة دول غربية أخرى، قام السيسي مساء السبت الماضي بعقد إجتماع أمني رفيع المستوى بحضور وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة واللواء أركان حرب "محمد فريد حجازي" قبل إعلان تعيينه في منصبه الجديد، وغاب عنه رئيس الأركان الذي انتهت خدمته "محمود حجازي"، ونتج عن الإجتماع قراراً بعدة تغييرات في قيادات وزارة الداخلية شملت رئيس قطاع الأمن الوطني "جهاز أمن الدولة سابقاً" ومدير أمن الجيزة، بالإضافة إلى مدير إدارة الأمن الوطني بالجيزة ومدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي ولواءات آخرين.

 القرار رآه الكثيرون نتيجة لمذبحة "الواحات" مساء الجمعة قبل الماضي والتي راح ضحيتها العشرات من رجال الأمن بين قتيل وجريح، رغم إعلان الداخلية عن ثأرها لضحايا مذبحة الواحات ونجاحها بتصفية 12 شخصاً وصفتهم بالإرهابيين في الكيلو 175 طريق الواحات بين أسيوط والخارجة، وتساؤل البعض عن كيفية إقالة من نجحوا في تلك العملية مما يلقى بالشبهات حول هوية من تم تصفيتهم في تلك الحادثة، ثم جاء القرار المفاجيء "القنبلة" بإقالة الفريق "محمود حجازي" من رئاسة الأركان وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية للتخطيط الإستراتيجي وإدارة الأزمات مما يعني إبعاده تماماً عن أي تأثير فعلي في القوات المسلحة وباقي مؤسسات الدولة، ليحل محله مع ترقيته لرتبة الفريق "محمد فريد حجازي" والذي كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع قائد الجيش الثاني الميداني والمشرف على عمليات الجيش بالتعاون مع الشرطة في سيناء وأيضاً أمين سر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتفجر الإقالة عشرات التساؤلات والتحليلات حول دوافع القرار وأسبابه وتوقيته راسمةً عدة سيناريوهات محتملة مختلفة المضامين متساوية النسب في ظل شح المعلومات وغياب أي مصدر لتأكيد أو نفي أو ترجيح أياً من تلك الإحتمالات.

من المحتمل أن يكون حجازي قد قام خلال زيارته لواشنطن بالإتيان بفعل ما أغضب السيسي عليه ودفعه لأقالته وخوفه من تنامي قوة حجازي داخل المؤسسة العسكرية مما قد يدفعه للقيام بالإنقلاب عليه فعاجله بالإقالة، خصوصاً أن دوره في الإنقلاب وتواجده وارتفاع مكانته تدفع للذاكرة من جديد علاقة جمال عبد الناصر بعبد الحكيم عامر والتي انتهت بعزل الأخير من كل مناصبه العسكرية وفرض الإقامة الجبرية عليه ثم انتحاره"كما قيل وقتها" في 14 سبتمبر/أيلول 67 بعد فترة قصيرة من هزيمة يونيو/حزيران67، وأيضاً ما فعله مبارك مع المشير أبو غزالة حيث أطاح به في أبريل/نيسان 89 "ترددت روايات بأن الإطاحة به جاءت بناءاً نصيحة أمريكية"، بعد 3 سنوات من إنهاء الأخير لتمرد قوات الأمن المركزي في فبراير/شباط 86 والذي أدى لتعاظم شعبية ومكانة أبو غزالة المرتفعة من الأصل"نظراً لسجله العسكري المتميز" بل تردد أنه رفض مقترح من أحد القادة العسكريين للإنقلاب على مبارك وقتها.

أو أن إقالته قد جاءت بعد تشاور ونصيحة "أمر" من كفلاءه وداعميه في الغرب والمنطقة كون السيسي لا يملك من القوة ما يمكنه من إتخاذ هكذا قرار دون استشارتهم وإلا فسيقومون بنزع جهاز التنفس الإصطناعي الذي يبقي نظامه حياً ويحافظ على استمراريته.

الإحتمال السابق يحمل في طياته ترجيح لإحتمال آخر وهو قيام السيسي بكل تلك التغييرات والإقالات تدعيماً لموقفه وتجديداً لدماء النظام وإبعاداً لعناصر أصبحت محل شك وريبة، وهو ما يدفع بأن ما حدث في مذبحة الواحات أكبر وأعظم وأخطر مما تم الإعلان عنه من ناحية الأحداث والضالعين فيها والنتائج وأعداد القتلى والجرحى الناجمة عنها وفرار المجموعة المسلحة التي نصبت "الكمين" المحكم وأنباء عن أخذهم لرهينة من الأمن"ضابط برتبة نقيب"، وفشل القيادات الأمنية في التعامل مع الموقف، وما تواتر عن شعور بالسخط لدى بعض قيادات وزارة الداخلية نتيجةً لتجاهل الجيش لنداءات الإستغاثة المتكررة من القوة الأمنية أثناء الإشتباكات التي استمرت لساعات، وأيضاً قلة الإهتمام بمراسم تشييع قتلى قوات الشرطة "على المستويين الرسمي والإعلامي" مقارنةً بنظرائهم في القوات المسلحة بالإضافة إلى تمييز منتسبي القوات المسلحة في المرتبات والخدمات والمكانة بطريقة أفضل كثيراً عن نظرائهم في وزارة الداخلية.

الإحتمال الأضعف هو الدفع تجاه تعيين "حجازي" رئيساً للحكومة وهو إحتمال بعيد حسب رؤية البعض لأن تواجد شخص ذو خلفية عسكرية وشخصية قوية ومنضبطة في هذا المنصب يؤثر كثيراً في سيطرة السيسي على مفاصل الدولة ويُبقي رئيس الوزراء في وضعية يخشى منها كونه سيستمر في اتصاله وتأثيره داخل المؤسسة العسكرية وهو ما لا يرغب به السيسي ويظهر هذا جلياً في إسناده للمناصب الهامة كرئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب لشخصيات لا تتمتع بالقوة أو التأثير بحيث يضمن ولائهم له وتنفيذهم لرغباته و أوامره.

لكن من المؤكد أنه مهما كانت الأسباب والدوافع لتلك التغييرات فإن وضعية نظام السيسي ستختلف إختلافاً جذرياً في الفترة القادمة عما كانت عليه سابقاً فإما أن يصبح النظام الإنقلابي أكثر قوةً وتماسكاً، كون ما فعله يرسل إشارة "تحذير" لجميع من حوله بأنه لا عزيز لديه في سبيل حفاظه على كرسي الرئاسة، أو يبدأ نظامه في الضعف والتفكك لتأكد من حوله بأنه سيطيح مستقبلاً بأي شخص مهما كانت درجة قوته أو قربه وقرابته منه بالولاء أو حتى بالمصاهرة والنسب وهذا سيؤدي بدوره لتوجس الجميع وخوفهم مما سيدفعهم للعمل على إضعاف السيسي حتى لا يصل للقوة التي تمكنه من الإستمرار في لعبة الكراسي العسكرية التي تطيح بمن لا يرغب به أو يتوجس منه خارجها.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس