ترك برس

 أكثر ما يميّز إسطنبول، أقصى مدن الشرق الملاصقة للغرب، أسواقها المنتشرة في طرفيها الأوروبي والآسيوي، التي يطلق السكان المحليون عليها تسمية "بازار"، والتي يجد فيها المتسوّق كل ما يرغب بشرائه من لباس وطعام بأسعار تختلف عن تلك التي في المعارض والمحلات التقليدية والـ"مول".

وكل حي من أحياء إسطنبول له بازاره الخاص الذي يفتتح في يوم معين من أيام الأسبوع، لتجد السكان يتوجهون إليه ويبتاعوا حاجياتهم التي تكفيهم لأسبوع في معظم الأحيان.

والبازار الذي نتحدّث عنه اليوم، هو بازار آخر من نوع مختلف. إنه بازار "الأنتيكا" الذي يقام كل يوم أحد في منطقة "عثمان بي" القريبة من حي تقسيم الشهير في قلب إسطنبول.

وكما هو معروف، فالأنتيكا، المقصود منها الأدوات القديمة والأثرية، وبازار الأنتيكا هذا يحتوي على كل ما يتعلّق بأدوات المنزل والعمل القديمة، وبعضها لا يزال يصلح للاستعمال، إضافة إلى القطع والمعروضات الفنية الرائعة والمدهشة حقاً.

يسيطر البازار على مساحة تقارب خمسة هكتارات، وهو مسقوف بألواح بلاستيكية زرقاء اللون محمولة على أعمدة معدنية، فتعكس لون السماء على أرضية البازار التي تتوزع عليها المئات من طاولات العرض بشكل صفوف تفصل بينها ممرات لعبور الزوار المتفرجين والمشترين.

يشعر الزائر هناك بأنه يقف وسط تاريخ عريق بكل تفاصيله، فمعروضات البازار تتنوع في أحجامها، وموادّها، وأساليب استخدامها، وطرق عرضها، والأهم من كل ذلك بأنها تتنوع في أزمنتها وأماكنها التاريخية.. فهناك ما يعود منها إلى القرن السادس عشر الميلادي، وبعضها مصنوع في دول آسيوية وأوربية وإفريقية وأمريكية.

يضمّ البازار، فضلاً عن أدوات "العدد الصناعية" القديمة، اللوحات الفنية من رسومات ومخطوطات أصلية، وكافة أدوات الزينة، والمزهريات و"الفازات" القديمة و"الصمديات"، والأسلحة كـ "الطبنجات" والسيوف والمسدسات العتيقة، وجميع أشكال وأصناف الآلات الموسيقية، كذلك المنحوتات المعدنية والحجرية والعاجيّة والخشبية، وجميع أنواع العملات القديمة والحديثة، أضف إلى ذلك عشرات الآلاف من الطوابع البريدية من شتى دول العالم.

ولم يقتصر بازار الأنتيكا على الصناعات اليدوية التقليدية القديمة فقط، بل تعداها إلى الأدوات الكهربائية الأولى وملحقاتها، كآلات التسجيل القديمة و"الكرامافون" وأسطوانات الأغاني، وراديوهات الوشائع الضوئية والترانزستور، والهواتف القديمة، إضافة إلى كاميرات التصوير الشمسية والضوئية الأولى، وكذلك ساعات الحائط والساعات اليدوية والأقلام والقدّاحات، وأيضاً ألعاب الأطفال.

وأثناء تجوال "ترك برس" في بازار الأنتيكا، تم اللقاء مع الكاتب والصحفي السوري "علي سفر" وهو يتفحّص أسطوانات موسيقية قديمة، فكانت له هذه المداخلة اللطيفة: "أسكن في منزل قريب من البازار، وقد تعوّدت النزول إليه كل يوم أحد لأمارس هوايتي في جمع كل ما يتعلّق بالعملات السورية القديمة وبعض أدوات "العدّة" التي أحب اقتناءها، بالإضافة إلى الأنتيكات الصغيرة لأزيّن بها المنزل، وبالطبع أسطوانات المقطوعات الكلاسيكية النادرة. هذا البازار عبارة عن متحف شامل يختصر تاريخ إسطنبول وتركيا، بل والعديد من مناطق العالم، إنه بحق مَعلَم فريد من نوعه".

بقي أن نشير إلى أن أسعار المعروضات في البازار رخيصة نسبياً مقارنة بقيمتها التاريخية والجمالية والمواد المصنوعة منها قطع الأنتيكا.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!