ترك برس

رأى الباحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية، علي حسين باكير، أن مهمّة تركيا في إعادة ترتيب أوراقها في العراق، لا تبدو سهلة، وأنّ مسألة ارتباط أو عدم ارتباط دورها هناك بالنفوذ الإيراني ستتوقف على جملة من المعطيات.

وفي تقرير تحليلي نشرته صحيفة "القبس" الكويتية، قال باكير إن هناك وجهتا نظر حتى الآن فيما يخص الموقف التركي إزاء التطورات التي جرت على خلفية استفتاء انفصال إقليم شمال العراق في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

وجهة النظر الأولى، بحسب الباحث، تقول إنّ الجانب التركي خسر منذ أن أصر رئيس الإقليم مسعود بارزاني على الاستفتاء، بدليل أنّ أنقرة فشلت في استخدام ما لديها من نفوذ سياسي واقتصادي وأمني من أجل إقناع رجُلها بالتوصل إلى صيغة مقبولة والتراجع عن قراره.

ونتيجة لذلك، وجدت تركيا نفسها مضطرة إلى الاقتراب من الأجندة الإيرانية في العراق كي لا تخرج من المعادلة بخفّي حنين. وقد جاء الموقف التركي محمّلاً أيضاً بالتكاليف.

فأنقرة التي كانت تعترض بشدة سابقاً على دور ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، سواء في العراق بشكل عام أو قرب حدود الإقليم وتركيا بشكل خاص، اضطرت إلى السكوت هذه المرة، ولم تعلّق على الأمر، وفق رأي الباحث.

بعض المصادر أشارت إلى أنّ هذا الموقف جاء ضمن اتفاق مع إيران وحكومة بغداد المركزية، وأنّ تركيا اشترطت انسحاب ميليشيات الحشد بعد القيام بمهمّتها الموكلة إليها، لكن لا يوجد ما يؤكّد إذا ما كان هذا الأمر صحيحاً بالفعل، أو أنّ أنقرة اضطرت في نهاية المطاف إلى القبول بالأمر الواقع.

هناك نقطة أخرى تتعلق كذلك بالوضع داخل إقليم كردستان. أعلن بارزاني نهاية الشهر الماضي عزمه التنحي عن رئاسة الإقليم، وعدم التجديد مرّة أخرى، وتوزيع صلاحيات المنصب على السلطات الثلاث (الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء).

وهذا يعني تحوّلاً في ميزان القوى داخل الاقليم، وهذا يعزز فرضية انّ الأطراف الكردية المحسوبة مسبقاً على الجانب الإيراني أصبحت في وضع أفضل.

وإذا ما أضفنا هذا الأمر إلى حقيقة أن وضع ميليشيات "الحشد الشعبي"، وكذلك حكومة بغداد المركزية، قد تعزّز بعد العمليات الأخيرة، وذلك بموازاة تراجع نفوذ بارزاني في إقليم كردستان، وانحسار سيطرة "داعش"، فإن الاستنتاج الأساسي لعملياتِ التحوّل الجارية في ميزان القوى بين اللاعبين داخل العراق تشير إلى تقدّم في نفوذ إيران على حساب نفوذ تركيا.

أمّا وجهة النظر الأخرى، فإنها تقول كلاما مغايرا، حيث أن تركيا حقّقت ما تريده في نهاية المطاف بأقل التكاليف الممكنة، فالاستفتاء أصبح من دون قيمة عملية، وبارزاني عوقب بشدّة على عدم تقديره للدعم التركي خلال المراحل السابقة، وشبح انفصال الإقليم يتبدد.

فضلاً عن ذلك، يمكن الادعاء بانّ الحكومة العراقية وأذرع إيران قاموا بالمهمّة المطلوبة بالنيابة عنها، فلم تتورط تركيا بعمل عسكري كما هي حال الميليشيات العراقية المحسوبة على إيران، ولم يكن لها دور في الخلافات الداخليّة بين المكونات الكردية كما هي الحال مع إيران مثلا.

وأدت الأزمة في الاقليم الى تحسّن نسبي في العلاقة مع حكومة بغداد المركزية – على الأقل في هذه المرحلة – كما حصلت أنقرة على بعض التنازلات من الحكومة العراقية في ما يتعلق بملاحقة حزب العمّال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.

الأهم من ذلك بحسب وجهة النظر هذه، انّ أنقرة حافظت على موقع قد يمكّنها لاحقا من إعادة ترتيب أوراقها بطريقة مختلفة تتيح لها الاستفادة من السمعة السيئة التي تحظى بها إيران لدى المكون الكردي على وجه الخصوص وهنا مربط الفرس بالتحديد.

إذ تراقب أنقرة عن كثب عملية خلافة مسعود بارزاني وسط تكهنات تقول انّ ابن أخيه ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني سيكون اللاعب الأبرز والأكثر ترجيحاً لخلافته.

لا يخفي البعض تفضيلهم أن يتولى نيجيرفان المهمّة باعتباره مرشحاً مثاليا، فهو مقرّب من تركيا وكان قد نسج علاقات طيّبة مع المسؤولين الأتراك خلال المرحلة الماضية، وتم استقباله على مستوى رفيع عدّة مرّات.

يقال كذلك في أنقرة بأنّ موقف نيجيرفان الحقيقي من الاستفتاء لم يكن حاداً كموقف عمّه مسعود وأنّ هذا الأمر سيسهّل إعادة تواصله مع الجانب التركي لاحقا.

وبالرغم من أنّ رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان كان قد رفض استقباله مؤخراً، إلا أنّ مثل هذا الأمر سيكون مرهونا مستقبلاً بتقييم رئيس الجمهورية لأي طلب للقائه وفق ما صرّح به الناطق باسم رئيس الجمهورية إبراهيم كالين، وهو ما يفهم منه أنّه محاولة لإبقاء خيارات أنقرة مفتوحة مع نيجيرفان في المرحلة المقبلة.

في جميع الأحوال، لا تبدو مهمّة تركيا سهلة في إعادة ترتيب أوراقها في العراق. كما انّ مسألة ارتباط أو عدم ارتباط دورها هناك بالنفوذ الإيراني ستتوقف على جملة من المعطيات لا يمكن اختصارها بحال من الأحوال بمجرّد إعادة استقطاب نيجيرفان.

فواقع الأرض أصعب من أن يتمكن أي سياسي أو حزب تغييره بهذه البساطة، وهنا بالتحديد تكمن الإشكالية في مسألة التعامل مع النفوذ الايراني في المنطقة بشكل أساسي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!