ترك برس

تنتشر في تركيا رياضة شعبية تسمى "yağlı güreş"، وتعني بالعربية المصارعة الزيتية.

مورست هذه الرياضة من قِبَل الجنود في مصر القديمة وبلاد اليونان، ثم مارسها الأتراك أيام العثمانيين منذ ما يقارب السبعة قرون، وتحولت بعد ذلك إلى رياضة شعبية تراثية عند الأتراك يمارسها الكبار والصغار بمختلف أعمارهم في احتفال قدوم الربيع والزواج و النصر، وتقام مهرجانات سنوية لهذه الرياضة في مناطق متعددة من تركيا أشهرها هو مهرجان كركبينار في مدينة أدرنة العاصمة القديمة للدولة العثمانية والتي تقام فيها المسابقة منذ أكثر من 650 سنة على نفس الحلبة، كما توجد تماثيل لمصارعين في عدة مدن تركية مثل كركبينار وكوجايلي ويايلاداغ، وهو أمر إن دل على شيء فهو يدل على مدى تعلق الأتراك بهذه الرياضة التي أصبحت جزءاً من ثقافتهم القومية.

ويعتقد الأتراك أن ممارستهم لهذه الرياضة التي تتطلب بنية قوية من جهة ويستخدم فيها زيت الزيتون المبارك من جهة أخرى، ماهي إلا تطبيق لوصايا الرسول ﷺ في قوله: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، وقوله: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة".

 المصارعة الزيتية هي مصارعة حرة تجري فوق مرج عشبي بعد دهن أجسام المصارعين بزيت الزيتون، وهي في الحقيقة اختبار للقوة، فالزيت المدهون على الجسد يجعل من مسكه تحدياً كبيراً للمنافس، في البداية كانت المصارعة تستمر حتى انتصار أحد المصارعين على الآخر لكن ومع مرور الوقت أدخلت إليها قواعد حددت المدة الزمنية للمباراة و نظام احتساب النقاط لتحديد الفائز.

تقول الحكايات الشعبية إن أول مصارعة بالزيت أجريت في كركبينار التابعة لمدينة أدرنة، واستمرت ثلاثة أيام وصل في نهايتها مصارعان اثنان إلى المباراة الختامية، لكنهما مع الأسف لم يتصارعا فقد صرعهما الموت تعباً قبل أن تبدأ المباراة، وقد اعتبر هذا اليوم ميلاداً لهذه الرياضة.

أنشأت الدولة العثمانية بعدها مدارس لتعليم المصارعة، وبدأ تنظيم المسابقات من وقتها، ويقال إن الجنود العثمانيين كانوا يمارسونها في أوقات الاستراحة خلال المعارك.

يرتدي المصارعون سراويل تغطي المنطقة بين أسفل البطن وأسفل الركبة وهي مصنوعة من الجلد الذي هو غالبا جلد الجاموس، يحيط السروال من الأعلى قماش خاص يسمى (زيمبيل) يمنع وصول الزيت إلى السروال، وكان يصنع سابقا من القصب.

يبقى المصارع عاري الصدر ويدهن جسمه بزيت الزيتون ثم يدهن المتنافسون بعدها ظهور بعضهم البعض بالزيت، ويعتبر الطبل والمزمار من العناصر المهمة التي ترافق المباراة عازفة مقطوعة موسيقية خاصة في بداية المباراة وعند التحضير للمصارعة لتحمس المصارعين والجمهور على حد سواء.

ولا نغفل هنا وجود شخصية في الحلبة ترتدي ملابس فلكلورية تسمى (جازجير) والذي يتحدث شارحا للمتفرجين الألعاب، و يذكر أسماء المصارعين وألقابهم، وبعد انتهاء المراسم يسير مع المصارعين إلى الجمهور فيتحضرا للبدء بالمصارعة التي تنتهي في إحدى الحالات التالية:

1- عندما يُسقط المصارع خصمه أو يسقط من تلقاء نفسه على ظهره أو مؤخرته.

2- إذا تمكن المصارع من حمل منافسه من رجليه ورأسه للأسفل وإلقائه على الأرض.

3- إذا سقط أو تمزق سروال أحد المصارعين.

4- عندما يصيح أحد المصارعين "pes" (وهي كلمة لاتزال تستخدم في اللهجة العامية السورية حتى يومنا هذا) وتعني بالعربية الفصحى "يكفي".

5- إذا حمل المصارع منافسه رافعا رجليه عن الأرض و مشى به لثلاث خطوات.

لكن إذا لم يحدث شيء من هذا عندئذ تحتسب النقاط لتحديد الفائز، فالمصارع الذي يحصل على نقطتين يفوز وإن جرى التعادل بين المصارعين 1 - 1 تمدد المباراة حتى الحصول على النقطة الثانية. مدة المباراة للكبار هي 15 دقيقة، وللصغار 10 دقائق، وتمدد المباراة خمس دقائق عند التعادل.

وتقوم باحتساب النقاط لجنة حكام كانت في الماضي تتكون من السادة في القرية، أو من مصارعين سابقين، أو من رجال عارفين بقواعد اللعبة. أما حالياً فقد تغير الوضع، فهناك لجنة من الحكام المتخصصين بأصول اللعبة.

 يحصل الفائز بالبطولة على جائزة هي عبارة عن حزام ذهبي يبقى بحوزته عاماً كاملاً وقد يصبح ملكه بشكل دائم إذا فاز في العامين التاليين بالبطولة.

أجمل ما في هذه الرياضة حقيقةً أن المصارع المنتصر يعانق خصمه بعد إلحاق الخسارة به وقد يقبل يده ليدل على أن التنافس بينهما رياضي بحت فالمصارعون هم إخوة في النهاية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!