حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

يتزامن تطور الشجار حول السلطة في السعودية مع تطور الأحداث الدائرة في لبنان. شهدنا في البداية على زيارة الحريري للمملكة السعودية، كانت وكأنها زيارة دبلوماسية طبيعية مثلها مثل غيرها من الزيارات. إذ إن العلاقات بين السعودية والحريري معروفة لدى الجميع. ولم يكن هناك أمر غريب في هذا الإطار. إلا أن الحريري قد أعلن عن استقالته قبل عودته إلى لبنان.

بطبيعة الحال بدأت الإشاعات بالانتشار عقب هذه التطورات. يزعم البعض أن ما حصل هو عبارة عن خطف سياسي لرئيس الوزراء اللبناني. وهم على حق، قد يكون قدومه إلى لبنان بناء على إرادته الشخصية ولكن يمكن أن يكون قد أجبر على الدخول تحت سيطرة السعودية فيما بعد. هل كان الحريري يخطط للاستقالة قبل ذهابه إلى السعودية؟ أم أجبره السعوديون على ذلك؟

يزعم البعض أن السبب في زيارة الحريري المفاجئة للمملكة السعودية هو مواجهته لاحتمال الاغتيال. وأغلب من يزعم ذلك هم من السعوديين.

عند النظر إلى هذه الأحداث من الخارج فسيكون من الصواب أن نقول إن المبادرة الأولى في استقالة الحريري كانت للسعودية. لأن المزاعم بأن الحريري قد غادر بلاده بسبب وجود احتمال اغتياله لا يبدو تبريراً مقبولاً. إذ لا يذهب أي شخص إلى السعودية عقب حصوله على استخبارات حول محاولة اغتيال. حتى وإن ذهب فلن ينته الأمر باستقالته قبل عودته إلى بلاده. يبدو أن الحريري قد تصرف بهذا الشكل لأنه أجبر على الخضوع لسيطرة السعودية خلال زيارته. لكن السبب في استقالة الحريري هو أمر معقد بالفعل. إذ سيكون من الجيد استحواذ السعودية على رئيس الوزراء اللبناني في حال اعتبرت السعودية أن لبنان هو الساحة الجديدة للصراع.

 إن استقالة رئيس الوزراء اللبناني يعني إدخال الفوضى إلى لبنان. يبدو أن السعودية لم تكن تهدف إلى الانتصار في لبنان، بل تهدف إلى إيذاء شخص ما من خلال تصرفاتها فيما يخص لبنان. أي أن السبب في إدخال الفوضى إلى لبنان هو رغبة السعودية في الضغط على حزب الله وإيران. إن زيادة تأثير حزب الله وإيران نتيجة تدهور الاستقرار السياسي في لبنان سيتسبب بقلق إسرائيل كخطوة أولى.

لكن إذا كانت إسرائيل تخطط لعملية عسكرية في لبنان فذلك سيؤدي إلى تغيير مجرى الأمور. إذ يمكن لهذه الفوضى أن تتحول إلى فرصة ذهبية بالنسبة إلى إسرائيل. هناك من يعتقد أن هذه الأحداث هي مخططات قد تم تصميمها من قبل أمريكا وإسرائيل. أما أنا فأرى أن هذه الأحداث هي عبارة عن حسابات يجريها وريث سعودي متسرع وطموح بهدف الحصول على دعم خارجي للوصول إلى عرش السلطة في السعودية. لكن ذلك لا يغير حقيقة أن الفوضى قد أُدخلت إلى لبنان بشكل أو بآخر.

لدي تساؤلات عديدة حول مدى جدية إسرائيل في احتمال تنفيذ عملية عسكرية في لبنان.

يمكن القول إن هناك ثلاثة عوامل منطقية تمنع إسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية على الرغم من تمهيد السعودية الطريق إلى ذلك.  العامل الأول هو عدم وجود أي شيء تكسبه إسرائيل خلال الفترة الحالية في حال تنفيذ عسكرية في لبنان. العامل الثاني هو أن مثل هذه المحاولات في الماضي قد تسببت في تورط إسرائيل، ولا أعتقد أن إسرائيل قد تخاطر بتكرار ذلك. أما العامل الثالث فهو أن إسرائيل لا تبدو جاهزة لتنفيذ عملية عسكرية بهذا الحجم. لكن العامل الثالث لا يحمل أهمية كبيرة بقدر الأول والثاني.

لم يكن أي أحد يتوقع أن تكون إسرائيل جاهزة للحرب عندما وقعت حروب النكسة في فلسطين والتي انتهت بتحقيق دولة الاحتلال لمآربها خلال أيام معدودة. لكن سرعان ما أعلنت إسرائيل عن بدء الحرب. لذلك إن عدم وجود تجهيزات واسعة النطاق في إسرائيل لا يخفف من خطر مهاجمة إسرائيل للبنان.

من جهة أخرى قد يكون القادة الإسرائيليون يتساءلون عن النتائج التي قد يؤدي إليها تورط إسرائيل في حال كانت نتائج الحرب مثل شبيهاتها في السابق. إنه احتمال قوي جداً كما أنه سبب يكفي لردع احتمال تنفيذ أي عملية عسكرية. يجب أن لا ننسى أيضاً مسألة ما يمكن كسبه من تنفيذ عملية عسكرية في لبنان. يبدو أن قوة حزب الله قد ازدادت في لبنان، لكن حزب الله لا يحارب إسرائيل منذ مدة طويلة لأنه مشغول بقتل المسلمين السنة.  لذلك ليس هناك داع لأن تلفت إسرائيل الأنظار نحوها، فهي تحصل على ما تريده في جميع الأحوال نتيجة ما يقوم به حزب الله في المنطقة.

هل يوجد احتمال أن تغض إسرائيل النظر عن هذه الحقائق وتبادر بأي عمل من هذا القبيل؟.. هذا الاحتمال موجود بالطبع.  لكن يجدر بالمعرفة أن مثل هذه المبادرة لن تكون تصرفاً عقلانياً. لقد وجه "تيلليرسون" تحذيرات عديدة في هذا الخصوص مدافعاً عن استقرار لبنان. لكن موقف الرئيس الأمريكي "ترامب" ليس واضحاً للعيان. ولا يبدو أن موقفه سيكون واضحاً في المستقبل. أما الحصول على نتائج إيجابية من زيارة "ماكرون" للمملكة السعودية فهو احتمال ضعيف جداً. لذلك تستمر التطورات بالحفاظ على تعقيدها.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس