ترك برس

يشير محللون سياسيون إلى أنه مع الخسائر المتتالية لتنظيم الدولة (داعش) الذي بات محاصرا في جيوبه الأخيرة في سوريا، تسعى الولايات المتحدة التي ترغب في دور أطول في هذا البلد، إلى الحصول على دعم من تركيا لمواجهة النفوذ الروسي والإيراني في سوريا.

لكن علاقات واشنطن مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شهدت توترا في الآونة الأخيرة ما يشكل تحديا دبلوماسيا. لذلك، عندما اتصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره التركي الجمعة كان عليه القيام بمبادرة ملحوظة ويبدو أنه قام بذلك فعلا. فتعهد ترامب بعدم تزويد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بأسلحة يشكل تنازلا كبيرا إزاء أنقرة الحليف الأهم لواشنطن في حلف شمال الأطلسي والذي لولاه لربما تقربت تركيا أكثر من روسيا وإيران حليفتي نظام بشار الأسد.

قد يرى البعض في واشنطن وفي المنطقة في هذه المبادرة خيانة لحليف ميداني لعب دورا أساسيا في هزيمة تنظيم الدولة في مدينة الرقة، لكن الأكراد باتوا في موقع قوة في شمال شرق سوريا، وواشنطن تريد الانتقال إلى الحلبة الأوسع.

وقال السفير الأمريكي السابق، جيمس جيفري، لوكالة فرانس برس: "لا يمكننا لعب دور على المدى الطويل في سوريا من دون القواعد التركية والمجال الجوي التركي، وإلى حد ما الدعم الدبلوماسي التركي". وأضاف جيفري مستشار الأمن القومي السابق والمبعوث السابق إلى أنقرة وبغداد: "هذا هو السبب وراء الاتصال الهاتفي".

ويضيف جيفري الذي ما يزال عبر عمله في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على اتصال مع مسؤولين أتراك كبار، أن لا شيء يثير غضب الرئيس التركي أردوغان مثل دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية.

لكن لواشنطن وأنقرة مصلحة مشتركة في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي في سوريا ولعب دور في مستقبل البلاد مع اكتساب محادثات السلام زخما في هذه المرحلة. وبعد الاتصال الأمريكي، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن ترامب تعهد بوقف تزويد الأكراد بالأسلحة وبأن هذا العبث كان يجب وقفه منذ وقت طويل. وعاد السبت وكرر أن تركيا تتوقع من ترامب الإيفاء بوعده.

وفي السنوات الأولى للنزاع السوري كان أردوغان، على غرار الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، معارضا شديدا لبشار الأسد رغم الخلافات الدبلوماسية المتكررة بين واشنطن وأنقرة. إلا أن التدخل العسكري الروسي والدعم الإيراني المتزايد ساعدا النظام السوري على الصمود، ووضعا أنقرة وواشنطن أمام واقع جديد.

وقال إيكان إردمير، العضو السابق في البرلمان التركي، لفرانس برس، إن الرئيس أردوغان يميل نحو تقبل الوضع الراهن على نحو ما ولذلك يسعى إلى تسوية تكتيكية مع موسكو وطهران. كما لفت إلى أن تركيا سمحت للأسد بالمرور عبر مجالها الجوي عندما سافر لإجراء محادثات مع بوتين في روسيا بينما تستخدم موسكو المياه الإقليمية التركية خلال نقلها معدات وتموين إلى جيشها.

لكن إردمير لا يتوقع أن يستمر هذا التحول في المسار، إذ لطالما اتهم أردوغان الأسد بأنه مجرم حرب، كما أن القوات الروسية سترغب في نهاية المطاف في خروج الجيش التركي من سوريا.

وتابع: "لدي شكوك كبيرة حول استمرارية نهج أردوغان مع إيران وروسيا، مضيفا أن السياسة الخارجية التركية شهدت في السنوات الأخيرة تغييرات جذرية في مسارها."

ومع أن المبادرة الأمريكية لا تبدو تحولا جذريا بعد، فإن جيفري علق بعد اتصال ترامب قائلا: "نحن على الأرجح أحسن حالا مع الأتراك الآن عما كنا عليه قبل 24 ساعة."

وفي الأسبوع الماضي، أحدث وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس مفاجأة عندما أعلن أن واشنطن ستبقي على وجودها العسكري في سوريا حتى بعد انهزام تنظيم الدولة. وتابع ماتيس: "علينا التأكد من ضمان توافر الظروف من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي".

وتسعى واشنطن إلى حل يقوم على انتخاب حكومة في دمشق لا يشارك فيها الأسد رغم الجهود التي تبذلها إيران وروسيا لحمايته. لكن إذا تبين أن هذا الحل مستحيل، فإن الأولوية ستكون لضمان الاستقرار والحد من النفوذ المتزايد لإيران.

وليكون لها مثل هذا الوزن، فإن واشنطن بحاجة إلى الوجود العسكري على المدى الطويل الذي أشار إليه ماتيس وبالتالي إلى دعم تركيا. ويقول جيفري إن تركيا تطرح سؤالا مشروعا على واشنطن هو: "نريد نهجا. ما هي سياستكم؟"، ويبدو أن واشنطن أقرب إلى إعطاء جواب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!