جمال الهواري - خاص ترك برس

فتش عن المستفيد تلك هي القاعدة الذهبية عند مناقشة أسباب ونتائج أي حدث على الساحة السياسية لأي دولة أو منطقة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالحوادث الإرهابية التي تخلف ورائها عدد كبير من القتلى والجرحي على غرار الحادث الإرهابي الذي وقع عقب صلاة الجمعة بمسجد "الروضة" ببئر العبد بمحافظة شمال سيناء والذي أشارت بعض المصادر الرسمية عن سقوط 235 قتيلاً وعشرات الجرحى، في حادث هو الأعنف والأكبر من حيث عدد الضحايا مما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ما يحدث في سيناء خاصةً في الجزء الشمالي منها والمغلق عسكرياً منذ ما يقارب 4 سنوات لمحاربة الإرهاب وتصفية عناصر المجموعات المسلحة التي تعج بها المنطقة حسب تصريحات الحكومة المصرية، وقامت بالدفع بقوات عسكرية على دفعات متتالية حتى قارب عددها حسب بعض المصادر ومنها مصادر اسرائيلية على قرابة 25000 ألف مقاتل بكافة أسلحتهم ودعم جوي متعدد الأوجه، وأن كل هذا يتم بتعاون إستخباراتي وتنسيق أمني بين الجانبين المصري والإسرائيلي بعد تعليق الملحق الأمني لمعاهدة "كامب ديفيد" والذي ينص على عدم تواجد قوات عسكرية مصرية في ما يعرف بالمنطقة "ج" واقتصار التواجد المصري على قوات الشرطة المدنية بأسلحتها الخفيفة .

بدايةً ما أن تم الإعلان عن الهجوم حتى تناثرت الروايات وكثرت الفرضيات حول من قام به ودوافعه لقتل هذا العدد الكبير من المصلين وفي يوم الجمعة وسارع البعض بنسب هذا العمل الإجرامي لتنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة"، رغم أن هذا الأمر مستبعد لعدة أسباب أهمها عدم المجازفة بفقد التعاطف معها "إن وجد" وخصوصاً أنها تلعب على وتر محاربة النظام الإنقلابي"الطاغوت حسب وصفها" الذي يضيق الخناق على أهالي سيناء وينكل بهم بنسف منازلهم وتهجيرهم وتدمير الزراعات والمعاملة البالغة السوء للأهالي في المنطقة، والسبب الثاني وهو الأهم لم يسبق لتنظيم "الدولة" استهداف المساجد في مصر وهو ما يدفع ببعد فرضية أنهم قاموا بهذا على أساس مذهبي لأن المسجد يتبع الطريقة الجريرية المنتمية للصوفية ولكنه في نفس الوقت يقع على طريق يمر به الكثيرين ويقصده جميع سكان المنطقة للصلاة والتعبد، ثم أن مساجد ومقرات ومقامات الطرق الصوفية تنتشر في كافة ربوع مصر ولم يسبق أن قامت الجماعات المتطرفة باستهدافها كون أدبيات الصوفية بعيدة تماماً عن العنف وليست هي العدو الرئيس لتنظيم "الدولة" وأخواته المعتمد خطابها على محاربة "الطاغوت" وعملاءه وأذنابه والمتعاونين معه.

وجدير بالذكر أن المسجد يقع في محيط قبيلة "السواركة" وهي ليست من القبائل المقربة من النظام الإنقلابي لنأيها عن الصراع المحتدم بينه وبين الجماعات المسلحة في المنطقة وسبق رفضها لفكرة استنساخ تجربة"الصحوات" في العراق، عكس بعض القبائل الأخرى "الترابين" مثالاً والداخلة في صراع فعلي مع تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة" وسبق له استهداف معاقلها وأفرادها من قبل، ولا استبعد قيام النظام الإنقلابي بالضغط وبشدة على كافة قبائل المنطقة للإنضمام إليه في محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة والتي ينتمي البعض من أفرادها لقبائل المنطقة وهو سيناريو من الخطورة بحيث أنه قد يدفع بصراع قبلي له عواقبه الوخيمة والغير محمودة في مجتمع تسوده الأعراف البدوية والقبلية والعصبية للقبيلة والمنتمين إليها قبل أي شيء آخر.

الشيء الملفت للنظر أيضاً هو التسلسل والتتابع المكاني للمناطق المستهدفة بالتفجيرات والهجمات الإرهابية فقد بدأت في رفح الملاصقة للحدود الفلسطينية ونتج عنه تفريغ المنطقة وإعلانها منطقة عازلة وتهجير أهلها ثم انتقلت شمالاً للشيخ زويد ثم مدينة العريش والآن بئر العبد وهو ما يدفع بقوة في إتجاه أن كل هذا يقع ضمن مخطط "صفقة القرن" الرامية لتوطين الفلسطينيين في شمال سيناء "مشروعي يوشي وآيلاند" عبر صفقة تبادل أراضي بحيث يتم تنازل مصر عن مساحة محاذية لقطاع غزة في شمال سيناء مقابل الحصول على نفس المساحة من أراضي جنوب صحراء "النقب".

ومما يقوي هذه الفرضية هو إعلان "محمد دحلان" خلال لقاء له على إحدى القنوات المصرية في مارس/آذار 2014 عن وجود عناصر تابعة له تعمل داخل سيناء وتتحرك بغطاء سيادي مصري بعد خروجها من قطاع غزة واستقرارها في سيناء بعد دخولهم إلى هناك منذ سنوات إثر الاقتتال بين فتح وحماس داخل قطاع غزة، ولم يتم نفي هذا من الدوائر الرسمية المصرية وتم تغييب هذا الأمر حتى يومنا هذا، ويرتبط بهذا أيضاً أن السبق الإعلامي والإخباري حول ما يحدث في سيناء "المغلقة أمام كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية عدا تلك التابعة لجهاز الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" يتم عبر إحدى القنوات الإخبارية التي تبث من دولة "الإمارات العربية المتحدة" لدرجة أنه حتى المواقع الإخبارية والصحف التابعة والمقربة من سلطة الإنقلاب تقوم بنقل أخبار وتفاصيل ما يحدث في سيناء وخصوصاً الهجوم الأخير منسوبة لتلك الشبكة الإخبارية الغير مصرية وهو أمر له دلالته التي لا يمكن إنكارها.

الأمر الأخير هو أن النظام الإنقلابي الذي بدأ حكمه بمجزرة مروعة نتج عنها قتل وحرق المئات من المصريين في "رابعة" و"النهضة" سيستفيد من الأمر لأقصى حد وعلى كافة الأصعدة داخلياً وخارجياً.

داخلياً سيجد المبرر للمزيد من الإجراءات القمعية والعنيفة في سيناء بصفة خاصةً بحجة مكافحة الإرهاب وتصفية المجموعات والجماعات التكفيرية ولا أستبعد قيامه بالمزيد من العنف والتهجير لأهالي المنطقة وهو ما بدأته بالفعل أبواقه الإعلامية والشخصيات المقربة منه عقب الحادث مباشرة بالدعوة لإخلاء المنطقة من سكانها لإعطاء الفرصة للجهات الأمنية للعمل بحرية وكفاءة لتصفية تلك العناصر وفي نفس الوقت ما حدث يعتبر طوق نجاة لنظام السيسي الذي يتخذ من محاربة الإرهاب شماعة وسبباً كافياً لعدم الإلتفات لأي أوليات أو مطالب أخرى وهروب للأمام من الفشل والتردي الذي يضرب كافة نواحي الحياة في الدولة المصرية، وبفضل السيسي وغشومية نظامه وتسلطه تحول الإرهاب الذي كان محتملاً في بداية إنقلابه كما صرح هو بنفسه أمام مريديه طالباً منهم إصدار الأمر له لمحاربته، وتحول الإرهاب المحتمل إلى إرهاب فعلي وأمر واقع يضرب في كافة أرجاء البلاد شرقاً وغرباً ويقف أمامه النظام عاجزاُ بطريقة أقرب إلى الرضا بحدوثه وتمني استمراريته حتى يتم توظيفه لإطالة عمر النظام.

خارجياً توالت ردود الفعل التي تدين الحادث من جميع أنحاء العالم لكن ما لفت إنتباهي تغريدة نشرها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على حسابه الرسمي في "تويتر" بعد وقوع الحادث بوقت وجيز وقال فيها نصاً: هجوم إرهابي رهيب وجبان على المصلين الأبرياء والعزل في مصر، ولا يمكن للعالم أن يتسامح مع الإرهاب، ولا بد لنا من هزيمتهم عسكرياً ،والتشكيك في أيديولوجية المتطرفين التي تشكل أساس وجودهم"، وهو جُل وغاية ما يطلبه ويطمح إليه السيسي الدعم الخارجي والتأييد الدولي له في ما سيتخذه من إجراءات مقبلة ستكون شديدة القسوة والعنف وسيستخدم فيها القوة الغاشمة كما صرح قائد الإنقلاب العسكري بنفسه في خطابه للشعب المصري بعد الحادث، وحيث أنه في معركة مع الأرهاب والتطرف فلا مكان للحديث عن الحريات العامة والإقتصاد المتردي وحقوق الإنسان وسد النهضة وانعدام الحياة السياسية داخل مصر ومعاناة المعتقلين في سجون العسكر وغيرها من الملفات الساخنة والتي فشل النظام الإنقلابي فيها جميعاً فشلاً ذريعاً، ولسان حال السيسي ونظامه الإنقلابي يقول "فليصمت الجميع وليقبلوا بما قمنا وما سنقوم به من إجراءات وقرارات فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس