ترك برس

على الرغم من انتشار محلات الحلويات بشكلٍ كبير، لكن من الصعب على الزبون في يومنا هذا اختيار المكان المفضل الذي يرغب بشراء قالب الحلوى منه. وبالتأكيد، صارت التطبيقات الإلكترونية، خاصة الإنستغرام، الطريقة المُثلى والأكثر انتشارًا من أجل شراء الحلوى وغيرها من المنتجات التي يحتاجها الزبائن.

السيدة التركية، بينغين كورتجيبي، قرّرت إبعاد الحيرة عن الزبون، من خلال قوالب الحلوى المُذهلة التي تصنعها والتي بإمكانها إقناع جميع الزبائن. تتخذُ بينغين أسلوبًا مميزًا وفريدًا من نوعه، أسلوبًا يعكس ذوقها الخاص. وبالإضافة إلى قوالب الحلوى التي نحتاجها في المناسبات الرسمية، تصنع بينغين قوالبَ تُذكّرنا بالطفولة، وقوالبَ تحمل طابعًا كرتونيًّا مثل كعكة مغطاة ببوالين الفيلم الشهير "أب Up".

ومع آلاف المتابعين عبر صفحتها على إنستغرام، ومخبزها الخاص في منطقة غوكتورك بإسطنبول باسم "لي فيرين Le Fırın"، أوجدت بينغين عالم الحلويات الفريد الذي يتوق كلُّ من رأى أعمالها الفنية في قوالب الحلوى إلى التعرف عليه.

كيف صُنع أول قالب حلوى؟

يقوم الناسُ بصناعة الخبز والمعجنات منذ زمنٍ طويلٍ وعلى مرّ القرون، لكن عبقريًّا مبدعًا فكر مرةً بوضع لمسةً من المُحليات على العجين، الأمر الذي فتح بابًا لعالمٍ جديد غني بالأذواق والفنون والأساليب، لا زلنا نكتشف فيه الكثير حتى يومنا هذا.

دخلت ثقافة صنع المعجنات إلى العالم من خلال الإغريق والرومان القدماء، وبالتحديد بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية. وبلغ انتشارُها ذورته مع اكتشاف الأمريكيتين، حيث أدى اكتشاف القارة الجديدة إلى وفرة السكر والكاكاو في أوروبا. وفي عام 1789، مهدت الثورة الفرنسية الطريق للأعمال التجارية الخاصة بالمعجنات للنمو والازدهار.

فبعد اندلاع الحرب، خسر طهاة المعجنات الذين يعملون في البلاط الإمبراطوري الفرنسي ولدى العائلات الأرستقراطية الفرنسية وظائفهم، لأجل ذلك، فتح الكثيرون منهم محلات المعجنات الخاصة بهم في فرنسا، كما سافر معظمهم إلى مختلف أنحاء أوروبا لتبدأ تجارة المعجنات الفرنسية بالانتشار في المنازل الأوروبية، وفي ذلك الوقت أصبح الوصول إلى المعجنات أكثر سهولة. ونتيجة لذلك، بإمكاننا القول إن فن خبز المعجنات الحديث قد وُلد في فرنسا.

مثّل اختراع فرانسيوس فاتيل لأحد أشهر أنواع القشطة الحديثة في القرن الثامن عشر، تحولًا هائلًا في تاريخ صناعة المعجنات. وفي القرن التاسع عشر، أصبحت باريس عاصمة فنون الخَبز.

ومع بداية القرن العشرين، تطورت أساليب الخَبز وارتفعت جودةُ المواد المستخدمة فيه، لتنتقل فنونُ الخَبز إلى مرحلةٍ مختلفةٍ تمامًا، فبدأ استخدام التكنولوجيا في صناعة الخبز منذ ذلك الحين، بالإضافة لإيجاد المواد الجديدة التي أثرت فنون الحلويات المختلفة.

تصاميمٌ غيرُ تقليدية

لدى بينغين كورتجيبي أسلوبها الخاص في الخَبز. والحلويات التي تصنعها، ليست مقتصرةً على إبداعها وأفكارها الخاصة، فبعضُ تصاميمها ترجع أصولُها لها، وبعضُها الآخر تستوحيه ممّا تشاهده حولها في الطبيعة أو على التلفاز أو في الطرقات.

قد تصنعُ اليوم قالب حلوى "شوربة الخضار"، وقد يكون القالبُ القادم عبارةً عن مشهدٍ استوحته من "الأمير الصغير little prince"، الشخصية الخيالية الشهيرة.

وأثناء حديثها عن فلسفتها الخاصة ورؤيتها في صناعة قوالب الحلوى، قالت بينغين: "قالبُ الحلوى يمنحُ الناسَ السعادة"، فبالنسبة لها، تقديم قطعةٍ من قالب الحلوى للضيف أو للزبون، لا يعني إعطاءه مجرد شيءٍ لذيذٍ للأكل، إنما تعني منحه قطعةً صغيرةً من السعادة.

في حفلات أعياد الميلاد، والذكرى السنوية للزواج، وحفلات الزفاف، والحمّام الأول للأطفال، وحتى في حفلات المنازل، قالبُ الحلوى هو بالتأكيد نجمَ الحفل. الكل يريد أن يكون على مقربة من قوالب الحلوى في لحظات سعادته وشعوره بالحب والألفة، يمكننا أن نقول إن المعجنات وخاصةً قالب الحلوى، لها مكانةٌ خاصةٌ في قلوبنا، الأمر الذي ينعكس دائمًا على مظهر القالب والديكور المصنوع فيه.

وعلى الرغم من أن بينغين قد نجحت بشكلٍ واسعٍ مع متجر المعجنات والحلويات الخاص بها، حيث تصنع قوالب الحلوى مذهلة الشكل واللون والتصميم واللذيذة بشكلٍ لا يصدق، إلا أن حياتها المهنية قد اتخذت بعد ذلك منحًى واتجاهًا مختلفين.

رحلةٌ إلى فنون الطهي

وُلدت بينغين في عائلةٍ مجتهدة، وبدأت اكتشاف موهبتها في فنون الطهي بعد سنواتٍ من التعليم التقليدي. درست في مدرسة روبرت المرموقة، ثم ذهبت إلى شيكاغو لدراسة الهندسة المعمارية الداخلية.

خلال فترة وجودها في الولايات المتحدة، اهتمت بينغين بفنون الطهي، ولدى دخولها هذا العالم الكبير وبداية استكشافها له، التقت العديد من الطهاة الذين يعملون 18 ساعة في اليوم، إلا أنهم كانوا سعداء بما كانوا يفعلونه، لم يكن الطهي مجرد مهنة بالنسبة لهم، بل كان شغفًا حقيقيًا يحيا بداخلهم.

تقول بينغين: "بالنسبة لي، أن أكون طاهيةً للمعجنات هو شيءٌ يأتي من مرحلة الطفولة، فالشخص يحتاج إلى موهبة من أجل فنون الطهي، وتقدير العمل الذي يقوم به هو الأساس".

وبعد عودتها إلى تركيا، عملت كمهندسة معمارية داخلية، ولم يأخذ الأمرُ منها وقتًا طويلًا لاكتشاف أن شغفها كان في مكانٍ آخر. أخبرت عائلتها أنها تريد متابعة حلمها والعمل في المطبخ، وقد عزّزت تحولها المفاجىء من كونها مهندسة معمارية إلى طاهية عندما التقت بالشيف إيسين بليك، صاحب مطعم أسماليمسجيت.

على الرغم من أن عائلتها اعتقدت أن اهتمامها في فنون الطهي كان مؤقتًا، عملت بينغين بجدٍّ واجتهاد وتدريبٍ يومي في كل جزء من المطبخ، وقررت أخيًرا فتح مخبزها الخاص.

مع مرور الوقت، حوّلت بينغين مخبزها إلى متجرٍ للحلويات، ولم ترغب بمتجرٍ تقليدي، فقامت بتسميته "لي فيرين"، وهو مزيجٌ غريبٌ بين الكلمة التركية "فيرين" والتي تعني مخبز، وبين المقطع الفرنسي "لي".

وبعد أن تخصصت في قوالب الحلوى الفاخرة: هوت كوتور، فتحت حسابًا لها على انستغرام، لديها عليه اليوم أكثر من 136 ألف متابع ومتابعة. ووضعت مسابقةً أسبوعية تحت هاشتاغ #ohabupastami، لتقدم للفائز قالب حلوى مجاني من صنعها الفريد وتصميمها المميز.

لم تكن نتائج موهبتها وشغفها مقتصرةً عليها فحسب، بل ساهمت بينغين في زيادة اهتمام المرأة التركية بالمعجنات الحديثة وقوالب الحلوى، واليوم يعمل ما مجموعه عشرة نساء إلى جانب بينغين في "لي فيرين".

ترغب بينغين بالسفر إلى جميع أنحاء تركيا لإعطاء محاضراتٍ للنساء، كما أنها تريد تنظيم ورش عمل لتعليم الحرف اليدوية كجزءٍ من مشروع المسؤولية الاجتماعية الذي أسسته. ولا تؤمن بينغين بتبادل المعرفة مقابل المال، فهي تدرب الناس مجانًا بشرط أن يجد كلٌّ منهم أربعة أشخاصٍ يعلمونهم تلك الحرف. كما تخطط بينغين لإنشاء موقعٍ على شبكة الإنترنت لدعم مشروع المسؤولية الاجتماعية.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!