إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

تتعرض تركيا منذ مدة طويلة لحملات تشويه ممنهجة في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مواقفها المشرفة وسياساتها المستقلة ووقوفها إلى جانب الشعوب الثائرة من أجل الحصول على حريتها وكرامتها. وزادت تلك الحملات المغرضة هذه الأيام هجماتها، بعد أن رفعت أنقرة صوتها عاليا ضد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني.

الحسابات التي يطلق عليها "الجيوش الإلكترونية" أو "الذباب الإلكتروني" في مواقع التواصل الاجتماعي، تتابع تصريحات المسؤولين الأتراك، على رأسهم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، وجميع الأحداث والتطورات المتعلقة بتركيا، وتعلق عليها للاستهزاء بها والإساءة إلى تركيا ورئيسها.

هذه الظاهرة لها أسباب عديدة، منها أن تركيا تقدم لشعوب المنطقة نموذجا ناجحا في تطبيق الديمقراطية وتحقيق التنمية. وهذا النموذج الرائع يلهم الشباب، ويدفعهم إلى المقارنة بين القفزة الكبيرة التي حققتها تركيا برئاسة أردوغان وأوضاع بلادهم المتردية، ويزيد رغبتهم في المطالبة بالتغيير والإصلاح والمشاركة في صنع القرار عبر صناديق الاقتراع.

انبهار الشباب في دول المنطقة بالنموذج التركي يزعج أنظمة تلك الدول. ولا أدل على ذلك مما نقله إليَّ أحد مستشاري رئيس الوزراء التركي عن أمير قوله، إن كثيرا من مواطني بلاده معجبون بأردوغان، ويحبونه أكثر مما يحبون حكام بلادهم.

وفي قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، تسعى تركيا إلى القيام بما يمكن فعله. وقد يعتبره البعض كافيا، فيما يرى آخرون أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب. وإن كان ما تقوم به تركيا من أجل الدفاع عن القدس غير كافٍ فإن صاحب هذا الرأي يجب أن يفعل أكثر مما تفعله تركيا أو على الأقل يبذل كل ما بوسعه للدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى، بدلا من أن ينشغل بالهجوم على تركيا وغيرها.

هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا أكثر مما فعلته تركيا، أو لا يريدون أن يفعلوه. وقد يكونون متورطين في إقدام الرئيس الأمريكي على خطوته الأخيرة بشأن القدس، ولذلك يرون أن مساعي تركيا تفضحهم، وتعرقل تفاهماتهم وصفقاتهم مع دونالد ترامب ونتنياهو. وهذا ما يفسر انفعالهم الشديد ضد تركيا ورئيسها.

 قد يسأل سائل: "لماذا لا ترد تركيا على الحملات الإلكترونية التي تستهدفها في مواقع التواصل الاجتماعي؟"، ويستغرب سكوت أنقرة عليها. ولا يعقل أن تكون تركيا غافلة عن تلك الحملات وأسبابها والجهات التي تقف وراءها. ولكنها تفضل أن تتجاهلها، وأن لا تشغل نفسها بالرد عليها، بناء على قاعدة "لا يضر السحاب نبح الكلاب"، وقاعدة "ولو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار".

ليس من الصعب لتركيا أن تشكل جيشا إلكترونيا للرد بالمثل على أصحاب الحملات التي تستهدفها، كما أنها لن تواجه أي صعوبة في نشر فضائحهم، لأنها كثيرة لا تعد ولا تحصى. ولكنها ترى أن هذا الرد يخدم القوى الدولية والإقليمية التي تسعى إلى إشعال الفتنة بين الدول الإسلامية لإشغالها عن قضايا الأمة وضرب بعضها ببعض.

أردوغان في مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء في العاصمة التركية أنقرة مع نظيره رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر جيله، أكد أن العالم الإسلامي يمر من مرحلة يحتاج فيها إلى التضامن أكثر من أي وقت مضى، وأن الدول الإسلامية يجب أن تتحد وتضع المشاكل المصطنعة جانبا. ولعل هذه التصريحات تساعد الجميع في فهم أسباب تجاهل تركيا للحملات الإعلامية التي يقوم بها الذباب الإلكتروني.

الاقتصاد التركي في الربع الثالث من العام الجاري سجل أداء قويا فاق أداء نظرائه في دول الاتحاد الأوروبي، وبلغ معدل نموه 11.1 بالمائة. ومن المؤكد أن الرد الأفضل لتلك الحملات أن تواصل تركيا مسيرة التنمية وإنجاز المشاريع العملاقة في مختلف المجالات، وترك هؤلاء ينشغلون بتحقيق انتصارات وهمية في العالم الافتراضي، ويأكل الحسد قلوبهم كما تأكل النار الحطب.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس