إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما تاريخيا في الحادي والعشرين من ديسمبر، حين أصدرت قرارا رفضت فيه بأغلبية ساحقة من 128 صوتا ومعارضة تسعة أصوات، القرار الأمريكي الأحادي إعلان القدس عاصمة إسرائيل. وطالبت الجمعية في قرارها "جميع الدول بالامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، وبعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات".

وأكدت الجمعية العامة أن "أي قرارات وإجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافية ليس لها أي أثر قانوني، وأنها لاغية وباطلة، ويجب إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

كما دعت الجمعية العامة جميع الدول إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، عملا بقرار مجلس الأمن 478  الذي اعتمد في عام 1980. وجاء هذا القرار رسالة واضحة لكل من اسرائيل والولايات المتحدة بأن إجراءاتهما المتعلقة بالمدينة المقدسة غير شرعية ولاغية وباطلة وسيتابعها المجتمع الدولي عن كثب. قد ترفض الإدارة الأمريكية الحالية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب، هذا القرار بوصفه غير ملزم،لكنها لا يمكن أن تهرب من حقيقة أن هذه صفعة كبيرة لدبلوماسيتها أحادية الجانب.

لم تستمع الولايات المتحدة إلى التحذيرات بأن هذا الإجراء سيؤدى إلى إدانة عالمية وعزل الولايات المتحدة ونبذها في الجمعية العامة للامم المتحدة في نهاية المطاف، بل على العكس ذهبت أبعد من هذا  ولجأت إلى التهديدات والابتزاز قبل التصويت بساعات. وسوف يسجل هذا ​​في التاريخ الدبلوماسي بوصفه عصرا مظلما للولايات المتحدة، لكنه انتصار كبير للقانون الدولي والأخلاق الرفيعة.

إن هذه اللحظة في الواقع لحظة تاريخية في تاريخ الكفاح الفلسطيني من أجل الاستقلال والسلام والكرامة. لقد أثبت العالم أن الشعب الفلسطيني والقدس ليسا وحدهما ولن يتركا لأهواء الإدارات الأمريكية والإسرائيلية وأهوائهما المنافية للقواعد والمبادئ الأخلاقية الدولية.

وقد أوضحت القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي دعا إليها الرئيس، رجب طيب أردوغان يوم 13 ديسمبر فى إسطنبول، أن العالم الإسلامي لن يستخف بهذه القضية، وسيتابع كافة الإجراءات ذات الصلة لوقف أي سياسة أحادية الجانب فيما يتعلق بالقدس والحرم الشريف.

وقد امتد الإجماع الذي ظهر في  قمة التعاون الإسلامي، العالم العربي والإسلامي ليشمل أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ويُظهر هذا مجددا عدم شرعية وفساد السياسة التي تنتهجها إسرائيل منذ عقود والقائمة على الاحتلال والتهديد ونزع الملكية. ويؤكد التصويت أنه لا بديل عن حل الدولتين وأن على إسرائيل إنهاء الاحتلال ونهب الأراضي الفلسطينية. ويجب على الإدارة الأمريكية، بدلا من دعم الاحتلال، أن تستخدم نفوذها لتنفيذ حل الدولتين على أساس حدود عام 1967.

لا يمكن لإدارة ترامب أن تدعي أنها وسيط نزيه بينما تمنح إسرائيل مطلق الحرية في فعل ما تشاء، ولا يمكن أن تحظى الإدارة بثقة الفلسطينيين أو العالم الإسلامي بالتهديدات والابتزاز، ولا يمكن لها أن تمضي قدما في عملية سلام جديدة بانحيازها إلى إسرائيل. إن الخطوة الصحيحة التي يحسن بإدارة ترامب أن تفعلها هي قبول تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلغاء قرارها الأحادي الجانب وإعلان القدس الشرقية عاصمة فلسطين.

ينبغي لنا  أن نستفيد الآن من هذه اللحظة التاريخية بتنشيط خطة سلام عادلة ودائمة ترمي إلى حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وينبغي للعالم أن يواصل دعمه للفلسطينيين وتطلعاتهم إلى الحرية والأمن والسلام. وينبغي لجميع البلدان أن تعترف بفلسطين وأن تعامل طرفي النزاع بنزاهة ومساواة.  

يتعين على الاتحاد الأوروبي، إلى جانب دول منظمة التعاون الإسلامي وتركيا بصفتها رئيس الدورة الحالية، القيام بدور رئيسي فى المرحلة القادمة من القضية. وكما  قال خافيير سولانا: "إن أفضل طريقة لتشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات هي العمل على تكافؤ الفرص لأن الولايات المتحدة لن تفعل ذلك، لذا يجب على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ زمام المبادرة بإرسال رسالة قوية وضرورية في نفس الوقت من خلال الاعتراف فورا بدولة فلسطين، وهذا الاعتراف سيحقق درجة من الإنصاف التي تحتاجها المفاوضات، وتمنح الاتحاد الأوروبي النفوذ في المفاوضات المستقبلية. ومن ثم يتعين على الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أن يعيدوا تنشيط عملية السلام لتحقيق حل الدولتين.

إن الرسالة المدوية والواضحة التي وجهتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر هي أن القدس ليست وحدها، وأن التهديد والابتزاز والاحتلال ونزع الملكية لا يمكن أن تكون معيارا فى القرن الحادي والعشرين. كما تؤكد الرسالة الحقيقة الأساسية بأن المشكلة هي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي يجب أن ينتهي من أجل تحقيق السلام في الأرض المقدسة والشرق الأوسط.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس