خاص ترك برس

عندما اندلع الربيع العربي قبل 7 سنوات في الشرق الأوسط، بعث موجة أمل كبيرة، لأن الزعماء الذين كانوا يحكمون بلادهم دون الاهتمام بها، ويتجاهلون مطالب شعوبهم ويمارسون الضغوط والاستبداد، بدأوا يتساقطون واحدًا تلو الآخر

وبعد فترة وجيزة، رأينا بأن الشعوب في الشرق الأوسط اتجهت إلى التصويت لصالح الأحزاب التي تدافع عن الهوية الاسلامية، عندما زالت الضغوط الممارسة عليها ووضعت صناديق الاقتراع أمامها.

وبالتزامن مع ذلك مباشرة، بدأت تُشنّ حملات "الثورة المضادة" ضد الثورات العربية، حيث بدأت بقايا الأنظمة السابقة ووسائل الإعلام والجيوش تدخل إلى الخط.

ومن ثم شاهدنا جمعيًا، اندلاع حروب أهلية وانقلابات عسكرية وعمليات انتقالية استغلتها الأنظمة السابقة كفرصة من أجل استعادة قواها مجددًا.

الدول الكبرى داخل النظام السياسي العالمي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لم تكن تريد أن يتم تحديد السياسات في دول منطقة الشرق الأوسط من خلال أصوات الشعوب عبر الانتخابات.

لأن ذلك كان من شأنه أن يجعل الزعماء في المنطقة، ينشغلون ويهتمون بشكل أكبر بالقضية الفلسطينية، ويتصدّون لجميع ضغوط الدول الكبرى.

وكان هذا الوضع سيؤدي أيضًا إلى تجاهل زعماء المنطقة لأوامر وتعليمات القوى الكبرى التي لديها أهداف مختلفة تجاه المنطقة.

لكن الربيع العربي تعرض للخسارة خلال فترة قصيرة، حيث تم قمع الأصوات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة وحق الحياة، عبر ممارسة الضغوط وارتكاب المجازر ضد الأبرياء فضلًا عن عمليات التهجير القسري.

وبدأت الشعوب التي لا ذنب لها سوى المطالبة بحقوقها الأساسية، تدفع ثمن الخسائر والدمار الذي لحق بالبلاد.. وفجأة وفي هذه الأثناء، علا شأن الشخصيات الديكتاتورية الظالمة، عند بعض الأطراف.

كما أن أصواتًا أخرى ظهرت تزعم بأن الربيع العربي كان عبارة عن فقاعة أو خطة أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الزعماء السابقين مثل زين العابدين بن علي، ومعمر القذافي، وعلي عبد الله صالح، لم يرتكبوا الأخطاء وكانوا أبرياء.

لا شك أن الحكام العرب لم يمنحوا شعوبهم أي حق للاختيار أو التعبير عن آرائها، وحكموا البلاد وكأنها مُلك خاص لهم ولا يحق لغيرهم أن يفعل شيئا فيها على الإطلاق.

وفي الحقيقة، إن سؤال شعب ما عن سبب ثورته ضد الديكتاتوريات، والقول بأن حالته بعد هذه الثورة أصبحت أسوأ مما كانت عليه، هو بمثابة الوقوف في نفس النقطة مع أولئك الحكام المستبدين والدول المهيمنة التي تتعاون معهم.

وإن استمرار النظام القائم وممارسة الضغوط على الشعوب أو حرمانهم من الحريات، هو في الأساس ما تريده الولايات المتحدة أن يتحقق في مصر، وروسيا في سوريا.

ويدعي بعض المستشرقين أن شعوب الشرق هم أناس رجعيون ومن الدرجة الثانية.

وحين يسأل مسلم ما مسلمًا آخر لماذا تثور ضد زعيم مستبد وظالم يسرق ثروات البلاد ويوزعها لأفراد أسرته ومحيطه، يُسمّى ذلك استشراقًا بين المسلمين أنفسهم.

ذلك لأن المسلم الذي يسأل ذلك، يرى بأن أخاه المسلم لا يستحق العدالة أو العيش بكرامة وحرية.

ينبغي أن لا يكون غضبنا تجاه الشعوب، وإنما ضد الحكام الذين استخدموا الاستقطاب الشعبي أداة لتحقيق مآربهم وإدامة حكمهم للبلاد، بدلًا من إيجاد حلول مناسبة تعود بالفائدة على الشعب.

ويجب أن نسأل الحكام في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، عن سبب عدم التقاسم العادل للدخل.

أمّا الزعماء الذين يحكمون العرب حاليًا، فهم يعيشون وفق أهوائهم ولا علاقة لهم إطلاقًا بتطلعات الشعوب، وهذا من سوء حظ العرب.

في تركيا، الأمر مختلف تمامًا، فهناك حكومة مؤسساتية وذات خبرات من جميع النواحي.

وأنا أتعجّب جدًا لأولئك الذين يأسفون للنهايات الوخيمة التي يتعرض لها الزعماء العرب الذين يجعلون شعوبهم تدفع ثمن أخطائهم.

خلاصة الكلام، إن كل مجتمع لديه الحق في طلب الشيء الأفضل والأجمل بالنسبة له، لذلك لا تروا ذلك كثيرًا على الصيني أو العربي أو التركي وغيرهم من الشعوب.


بقلم "محمد ألغَن"، الباحث السياسي والبرلماني السابق في صفوف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والمهتم بالشأن العربي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!