ترك برس

علق مركز جيوبوليتيكال فيوتشرز الأمريكي على المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس رجب طيب أردوغان ويقضي بنقل الإشراف على الوكالة التركية المكلفة بالصناعات الدفاعية من وزارة الدفاع إلى رئاسة الجمهورية، بأن أردوغان يدرك أن صعود تركيا كقوة إقليمية كبرى يحتاج إلى جيش قوي، وأنه تعلم من أخطاء الماضي التي ارتكبتها الدولة العثمانية التي كان انحسارها نتيجة لفصل قادتها بين القدرات العسكرية المتصورة والقدرات الواقعية على الأرض.

ويمنح المرسوم الذي صدر في نهاية العام الماضي الرئيس أردوغان عددا من السلطات الجديدة، منها  سلطة عقد ورئاسة اجتماعات اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية التي تتخذ القرارات المتعلقة بالسياسات التي تنفذها مستشارية الصناعات الدفاعية، كما يمنح أردوغان سلطة تعيين الموظفين في الوكالة وفقا لتقديره.

وقال المركز في تحليل له إن أردوغان أصبح بمقدوره الآن الوصول المباشر إلى المعلومات بشكل أكبر في سلم التسلسل القيادي بعد أن كانت في السابق تمر عبر مستويات عسكرية أخرى قبل أن تصل إليه. وقد كان هذا مهما لأردوغان بسبب تجربته في الانقلاب العسكري الساقط  ضده في تموز/ يوليو 2016. ومنذ ذلك الحين، كان مترددا في ترك الأمور العسكرية بعيدا عن قبضته.

وأضاف المركز أن هناك اعتبارات أجنبية كانت الدافع وراء قرار أردوغان، ذلك أن صعود تركيا إقليميا سيجبرها على السعي إلى مزيد من العمق الاستراتيجي، ومن ثم فإن انتصارها في أي حرب مقبلة يتوقف في نهاية المطاف على قدرة الدولة على تزويد جيشها بالسلاح والعتاد، والإخفاق في إنشاء طرق الإمداد الخاضعة للرقابة هو بمثابة السير في معركة خاسرة.

وأشار إلى أن مرسوم أردوغان الأخير ليس لمجرد إذكاء للوعي الإعلامي ، بل يتعلق أيضا بمسألة تقليل الاعتماد على المشتريات العسكرية الأجنبية، وتعزيز قدرة تركيا من جانب واحد على العمل عسكريا.

ولفت المركز إلى إن وراء رغبة أردوغان في زيادة الوصول المباشر إلى المعلومات العسكرية أمرا آخر بعيدا عن أحداث التاريخ الحديث، ويرجع إلى بداية انحسار الإمبراطورية العثمانية الذي كان نتيجة مباشرة لفصل قادتها بين القدرات العسكرية المتصورة والقدرات العسكرية الحقيقية.

الذاكرة التاريخية للإمبراطورية العثمانية المنهارة

ويوضح المركز أن الذاكرة التاريخية لتركيا تستند إلى الإخفاق  في فهم مدى قدراتها الخاصة. فبعد صعود الإمبراطورية العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، دخلت في سلسلة من الحروب مع الإمبراطورية الصفوية الفارسية استمرت أكثر من 100 سنة، وصرفت تركيز العثمانيين عن أوروبا إلى حد كبير.

وبينما كان العثمانيون مشغولين في حروبهم المستمرة مع الصفويين، ويستخدمون إلى حد كبير نفس التكتيكات العسكرية وخطوط الإمداد التشغيلية التي خدمتهم بشكل جيد حتى تلك اللحظة، وقع حدث كارثي  في ​​أوروبا غيرت طبيعة الحرب: حرب الثلاثين عاما.

وخلال هذه الحرب أحدثت الجيوش الأوروبية ثورة في التدريب والتكتيكات وتكنولوجيا الأسلحة، غفل عنها العثمانيون إلى حد كبير، حيث اعتبروا في هذه المرحلة أن الصفويين هم التهديد الأكثر إلحاحا. وفي عام 1683،عندما توجه قرة مصطفى باشا إلى فيينا لفتحها مستغلا الخصومات بين الهابسبورغ والبوربون لم يكن مستعدا بما يكفي لمواجهة الجيوش الأوروبية. وتمكنت حامية فيينا الصغيرة من الصمود لعدة أيام حتى وصلت التعزيزات. وعلى الرغم من أن الجيش الأوروبي لم يتعد  ثلثي حجم القوات العثمانية،فقد مني الجيش العثماني بهزيمة كبيرة.

ثم شهدت الحرب التركية العظمى بين الدولة العثمانية والقوى الأوروبية المتحدة تحت اسم العصبة المقدسة هزيمة قاسية  لثلاث جيوش ميدانية عثمانية، وهو ما مثل بداية تراجع الإمبراطورية العثمانية.

ومع انحسار الإمبراطورية، بذل العثمانيون عدة محاولات فاشلة لتنفيذ إصلاح سريع لمواجهة التهديد غير المحقق من الجيوش الأوروبية. وفي القرن الثامن عشر منيت الإمبراطورية العثمانية بهزيمة تلو الأخرى على يد الروس. وفي القرن التاسع عشر قام العثمانيون بتنفيذ أكبر مجموعة من الإصلاحات لكنها لم تنجح  بعد هزيمة كبيرة أخرى أمام جيش نابليون، ثم هزم الروس الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى في عام 1878، ثم شاهد العثمانيون امبراطوريتهم تنهار مع ثورات البلقان في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وكان خطأ القادة العثمانيين هو المبالغة في تقدير قوتهم العسكرية مقارنة بالقوى الأوروبية.

وخلص المركز إلى القول بأن اردوغان عازم على عدم تكرار أخطاء الماضي، وسيكون مدخله إلى ذلك هو التأكد من أن تصوره وتصور من يأتي بعده من الرؤساء للقوة العسكرية التركية يتطابق تطابقا وثيقا مع الواقع يوازي بشكل وثيق الواقع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!