خاص ترك برس

شهد كانون الأول/ ديسمبر من العام المنصرم، تطورات مُذهلة للغاية، على رأسها إعلان القدس عاصمة لإسرائيل من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ففي 6 كانون الأول/ديسمبر، صادق ترامب على قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الإعلان بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبعد أسبوع واحد، استضافت إسطنبول قمة "منظمة التعاون الإسلامي" الطارئة بشأن القدس.

انعقدت القمة الاسلامية في 13 من الشهر نفسه، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، ومشاركة 16 زعيمًا، إلى جانب رؤساء وفود الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

واختتمت القمة بإصدار بيان ختامي يتضمن 23 بندًا، تضمن جملة من التعهدات لدول "التعاون الإسلامي" والتكليفات لأجهزتها، والدعوات والرسائل لدولِها ودول العالم وأمريكا.

كما تضمن البيان خارطة طريق مبدئية من شأنها التصدي لقرار ترامب، دعت دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.‎

وبعد 8 أيام من القمة، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 كانون أول الماضي، بتأييد 128 دولة، قرارًا تقدمت بمسودته كل من تركيا واليمن، يرفض قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

عادت تركيا مع رئيسها رجب طيب أردوغان، إلى صدارة الأجندة العالمية عقب هذه التطورات المتتالية، حيث توّجهت جميع الأنظار نحوها بسبب جهودها ومبادراتها الدبلوماسية التي أقدمت عليها من خلال جمع العديد من الدول في صف واحد خلال فترة وجيزة.

وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، وصل وفد تركي بزعامة الرئيس أردوغان، إلى السودان في زيارة رسمية، ضمن جولة إفريقية وسلسلة من المباحثات تشمل تشاد وتونس أيضًا.

زيارة السودان، كانت لافتة ومميّزة عن سواها، لأن الشعب السوداني أعرب عن احترامه وحبّه للرئيس التركي واستقبله بالتكبيرات في كل مكان.

اللقطات التي شاهدتها في السودان، ذكّرتي باهتمام الشارع العربي بتركيا في الأيام الأولى من اندلاع الربيع العربي، وكذلك الأوقات التي كانت العديد من الدول، وخاصة الغربية، ترى فيها تركيا نموذجًا يحتذى به.  

في تلك الفترة، تم إظهار تركيا كنموذج لبلدان وشعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد حظيت قدرتها على نشر الديمقراطية بين الغالبية المسلمة، باحترام وتقدير.

وبعد فترة، بدأ هذا الجو يتبدد، حيث أطاح انقلاب عسكري في مصر بحكومة محمد المرسي، التي كانت لدى تركيا علاقات جيدة معها، ثم بقي بشار الأسد على رأس سلطته في سوريا بدعم من إيران وروسيا.

موجة الحرية المنتشرة في المنطقة، وجدتها القوى المهيمنة في العالم وقوى الثورة المضادة، بمثابة خطر على مصالحها الشخصية، الأمر الذي دفعها إلى التدخل من أجل إفشالها.

وفجأة، تحوّلت تركيا من نموذج للعالم، عند تلك القوى، إلى دولة تحشر نفسها في كل شيء.

باتت تركيا، اليوم، هي الدولة الإسلامية الأكثر حيوية في حوض البحر الأبيض المتوسط، سواء بحكومتها أو بسكانها، كما أنها تستطيع فرض نفسها على جميع الخطط الأممية المفاجئة من خلال مبادراتها السريعة، في وقت يُظن فيه أنها تفقد قوتها ومكانتها.

لكنها قد تواجه في المرحلة الراهنة، التي سميّناها بـ"الحملة العربية"، العديد من التحديات، لأن البلدان المهيمنة والقوية مازالت غير راضية عن نتائج الانتخابات عند المسلمين.

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تصرّان اليوم على استهلاك ثروتهما من الموارد الطبيعة، من أجل متعة أقلية صغيرة بدلًا من استهلاكهما لإسعاد الغالبية.

في الحقيقة، كانت هذه التحديات موجودة قبل سبع أعوام. ولكن ماذا فعلنا نحن خلال هذه السنوات؟ وهل طوّرنا أنفسنا؟

لا شك بأننا تعلمنا أشياء كثيرة من المواجهات الدولية الكبيرة التي خضناها خلال الأعوام الـ7 الماضية، ولكن هناك أشياء كثيرة علينا أن نتعلمها أيضًا، كما ينبغي أن نُراجع عمقنا الاستراتيجي والعملياتي أكثر.

يجب أن يكون لدينا موقف عقلاني ومنضبط ونشيط، بعيدًا عن العاطفية والحماسة، وهذا هو السبيل للنجاح. عمّا أننا البلد الأكثر قدرة على تحقيق ذلك في المنطقة، بفضل تاريخنا ومواردنا البشرية وأهدافِنا ورؤيتنا المستقبلية.


بقلم "محمد ألغَن"، الباحث السياسي والبرلماني السابق في صفوف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والمهتم بالشأن العربي

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!