ترك برس

تناول الباحث في مركز (SETA) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا، محمود سمير الرنتيسي، استعداد الأحزاب السياسية التركية الكبيرة للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في تشرين الأول/نوفمبر من العام القادم (2019).

ورأى الباحث، في مقال تحليلي نشره موقع "نون بوست"، أن الحسابات والخطوات التي تم الإقدام عليها فيما يتعلق بالسياسة الداخلية التركية، تحديدًا بعد استفتاء 16 نيسان 2017، وحتى تلك التي سيتم القيام بها في 2017، تبدو مفصّلة على مقاسات استحقاقات 2019 حيث الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نوفمبر 2019.

وحول طبيعة العلاقات الحزبية في تركيا، قال الرنتيسي إن الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، يقوم بإجراء تغييرات كبيرة، وعملية إعادة ضخ لدماء جديدة وتغيير للمتقاعسين والذين لديهم اشكاليات سواء في كوادر الحزب أو في المؤسسات المحلية والحكومية التي وصلوا إليها، عن طريق الحزب كالبلديات وما شابه.

وأوضح أن نسبة التغيير التي ما زالت جارية، تصل إلى أكثر من 40% على مستوى كوادر الحزب في المدن أو ما يسمى بالتشكيلات، وقد بدأ ذلك منذ عودة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى موقع رئاسة الحزب بعد نجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نيسان 2017.

كما أن الحزب يحاول تقديم العديد من التحسينات الخدمية والبشريات المتعلقة بالجانب الاقتصادي والخدماتي للمواطن التركي من أجل الحفاظ على الرضا الشعبي وهو ما يفيده بشكل كبير في الانتخابات.

أما حزب "الحركة القومية"، فهو الآخر يقوم بعملية ترميم لصفوفه بعد حدوث انقسام في كتلته الانتخابية في الاستفتاء، وللحديث بشكل دقيق فإن هذا الانقسام الذي ظهر في الاستفتاء لم يكن الأول، فقد ظهر قبل ذلك حين خرجت مجموعة من الحزب بقيادة ميرال أكشينار التي أسست حزب "İyi Parti" أو "الحزب الخير".

واعتبر الرنتيسي أن أكشينار سحبت معها العديد من أنصار الحركة القومية الذي ما زال يحافظ على ثباته من خلال التحالف مع حزب العدالة والتنمية ومن خلال دعم الرئيس رجب طيب أردوغان وسياساته الداخلية والخارجية.

ومن خلال الأشهر الماضية بدا أن النتائج التي حققتها ميرال أكشينار، ليست مقلقة بالحد الكبير لحزب العدالة والتنمية، إلا أنها قد تكون مزعجة وقد ظهر هذا في الموقف من المرسوم الرئاسي الأخير الذي أصدره الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعند النظر إلى حزب "الشعب الجمهوري"، وهو أقدم الأحزاب التركية وأكبر حزب معارض، فإن أول اسم يتبادر للذهن هو اسم رئيس الحزب كمال كليجدار أوغلو، الذي رفع الرئيس أردوغان ضده قضية تعويض شخصية، بحسب الباحث.

وتابع المقال: ما زال خطاب الحزب مترددًا وليس قويًا، وبالرغم من أن الحزب حاول استعادة قوته من خلال "مسير الديمقراطية" الذي أطلقه كليجدار أوغلو من أنقرة إلى إسطنبول، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للانقلاب، فلم يستطع من التقدم كثيرًا في ظل تناغم بعض رواياته السياسية مع رواية تنظيم غولن في أكثر من حادثة، ومنها أن الانقلاب كان مدبرا من الدولة أو ما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وعلى سبيل المثال بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس التركي إلى السودان في الأيام الماضية، والتي قوبلت بترحيب من قبل أوساط الشعب التركي المختلفة، فإن حزب الشعب الجمهوري اعترض على إدارة تركيا لـ"جزيرة سواكن" على البحر الأحمر واعتبر ذلك قرارا خاطئًا.

وعلى كل حال يبدو أن حزب العدالة ما زال يدندن في نفس مجال حركته السابق مع التأكيد أنه من المبكر الحديث عن نسب وأرقام متوقعة حيث هناك العديد من التطورات وخاصة الخارجية قد يكون لها دور في التأثير على المسار الداخلي مثل محكمة رجل الأعمال التركي الإيراني رضا صراف.

أما حزب "الشعوب الديمقراطية"، الذي صعد في انتخابات 2015 إلى البرلمان، يوجد شكوك كبيرة حول إمكانية تخطيه للعتبة الانتخابية مرة أخرى وخاصة في ظل المعركة المفتوحة مع "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، حيث يشار دائمًا للعلاقة بين الحزبين ووجود تحكم من الأخير بالأول.

كما أن وجود كوادر الحزب في السجن بسبب اتهامهم بقضايا تحريضية أضعفت موقفهم إضافة إلى حالة الطوارئ في البلاد ولهذا فإن حزب الشعوب في وضع صعب جدًا.

في انتخابات الرئاسة عام 2014، توافق حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية على أكمل الدين إحسان أوغلو كمرشح في مقابل الرئيس أردوغان، ومع ذلك لم ينجح هذا حيث أن كتلة المعارضة لا تستطيع أن تجتمع على مرشح واحد في ظل التضاد بين الحركة القومية وحزب الشعوب.

ولكن هذه المرة إذا لم يضع حزب الشعوب مرشحا له فقد يكون هناك مرشح موحد للمعارضة المكونة من حزب الشعب وحزب الشعوب وحزب الخير، بقيادة ميرال أكشينار لكن الرئيس أردوغان قد كسب هذه المرة حزب الحركة القومية بجانبه أو على الأقل جزء منه.

وبالنظر إلى الاستفتاء فإن الرئيس أردوغان قد كسب الرهان أمام ما يسمى بكتلة الرفض، وتعد فرصته أفضل هذه المرة مع وجود العديد من التحسينات وإعادة الحسابات إضافة إلى ارتفاع أسهمه الشعبية بشكل متواصل في الآونة الأخيرة، وهو ما يجعل المنافسة مع أي مرشح آخر صعبة ولو حدث انقسام بين حزب الشعوب وحزب الشعب فإن فوز أردوغان مرجح جدًا وبشكل سهل، لكن الانقسام غير مرجح حاليًا.

وقبل الختام يشار إلى أن بعض أحزاب المعارضة تتطلع إلى عبدالله غول كمرشح منافس لأردوغان، وقد ظهرت بعض التوترات بين الرجلين للعلن في أكثر من قضية، ووفق هذا السيناريو قد تكون المعارضة تعول أن يحظى غول لو خاض الانتخابات ببعض الأصوات من داخل كتلة حزب العدالة والتنمية الانتخابية إضافة إلى أصوات المعارضة وهو ما يمكن أن يشكل تحديًا أكبر، لكن هذا لم يزل غير مؤكد.

كخلاصة تبدو آفاق نجاح الرئيس أردوغان أفضل لكنه ينظر إلى هذه العملية على أنها حرجة للغاية ودقيقة جدًا ولهذا يحرص على كسب كل ما يمكن أن يساعده.

يبقى أن نشير إلى العوامل الخارجية مرة أخرى وخاصة على خلفية التوتر مع "إسرائيل" والولايات المتحدة على قضية القدس وقضية إقليم كردستان وقضية شمال سوريا، وأزمة قطر وغيرها، فإن احتمال لعب هذه الأطراف دورًا في التأثير على السياسة الداخلية لابد أن يكون ضمن حسابات حزب العدالة والرئيس التركي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!