ترك برس

تشكل محافظة إدلب مع ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، إحدى مناطق "خفض التصعيد" التي تم التوصل إليها في مباحثات أستانة في وقت سابق من 2017، بضمانة من روسيا وإيران وتركيا.

بسيطرة النظام السوري، بدعم من إيران وروسيا، على المناطق الحدودية مع العراق، باتت محافظة إدلب الشمالية ضمن الأهداف العسكرية له، وفق مقال تحليلي لـ"أويتون أورهان"، الخبير في مركز الشرق الأوسط للبحوث الاستراتيجية (أورسام)، نشرته وكالة الأناضول التركية.

تسلسل سريع، وجّه العمليات العسكرية للنظام من دير الزور نحو إدلب المشمولة باتفاق مناطق "خفض التوتر"، وفجّر مخاوف مما قد يعنيه استهداف المحافظة من مساع ترمي إلى إفشال وتقويض أي حل سياسي للأزمة بسوريا.

بالتوازي مع القصف الذي تتعرض له إدلب، استهدفت مؤخرا مواقع القوات الروسية بسوريا.

فنهاية ديسمبر / كانون الأول الماضي، استهدفت قوات المعارضة قاعدة حميميم بمحافظة اللاذقية بصواريخ "غراد"، ما أسفر عن مقتل جنديين روسيين، وإلحاق أضرار بمقاتلات حربية روسية، وفق ما أعلنته موسكو.

وعقب الهجوم، استهدف هجومان آخران باستخدام 13 طائرة من دون طيار في 6 يناير / كانون الثاني الجاري، قاعدتي حميميم وطرطوس اللتين تتواجد فيهما قوات روسية أيضا، غير أنهما فشلا في تحقيق أهدافهما.

هجمات يقول محللون إنها مرتبطة، ولها علاقة بالهجمات التي تنفذها قوات النظام بالتنسيق مع روسيا وإيران في إدلب.

وخلال الفترة الماضية، صعّدت تركيا من لهجتها تجاه النظام السوري وشركائها في محادثات أستانة (روسيا وإيران)، حيث وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رأس النظام السوري بـ "الإرهابي"، فيما قال وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، إن النظام السوري يقصف المعارضة المعتدلة في إدلب بحجة محاربة الإرهاب.

من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مؤخرا، إن تنظيم داعش الإرهابي تلقى الخسارة في سوريا، وإن الهدف الجديد لبلاده في العام الجديد سيكون جبهة "النصرة".

وبما أن تركيا تتوافق مع روسيا في فكرة إزاحة المجموعات المتطرفة وطردها من سوريا، فإنها لم تعترض على تصريحات لافروف، لكن أنقرة تولي أهمية كبرى لكيفية محاربة "النصرة" أو غيرها من المجموعات الإرهابية.

ففي حال اتبعت روسيا نفس الطريقة المعتمدة في حملاتها العسكرية السابقة، دون تمييز بين المجموعات الإرهابية والمعارضة المعتدلة والمدنيين، وأرادت معاقبة إدلب برمتها، فإن هذا الأمر سيولد موجة نزوح وهجرة، وستؤثر بالتالي على تركيا.

ولهذا السبب، فإن تركيا ترغب في اتباع طريقة أخرى قد تستغرق فترة أطول، يتم خلالها التفريق بين المعارضة المعتدلة والمجموعات المتطرفة أولا، ومن ثم يبدأ مكافحة المتطرفين.

ولتحقيق الخطة التركية، يرى مراقبون أنه من الضروري تحقيق الاستقرار بشكل كامل في إدلب، لكن الغارات الجوية الروسية على المدينة، والهجمات المتكررة التي تقوم بها قوات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة لها ضد مناطق خفض التوتر، تصعّب تطبيق السياسات التركية تجاه إدلب ومكافحة المجموعات المتطرفة فيها.

ومن بين الأسباب الخفية الكامنة وراء تصعيد تركيا لهجتها تجاه شركائها بمحادثات أستانة، هي المماطلة في تحقيق مطالب تركيا تجاه مدينة عفرين بريف حلب (شمال)، الخاضعة لسيطرة عناصر تنظيم "ب ي د" الإرهابي.

فأنقرة تولي الاهتمام الأكبر لمكافحة "ب ي د / ي ب ك"، وتبحث عن تحالفات تقوي موقفها هذا، والتعاون التركي مع روسيا في سوريا، مبني على هذا الأساس.

كما أن تركيا تأخذ على عاتقها ضبط قوات المعارضة وجعلها تلتزم بوقف إطلاق النار، والمشاركة بالمفاوضات والمحادثات، وتنتظر من روسيا الضوء الأخضر بشأن تطهير عفرين من العناصر الإرهابية، لكن موسكو ما زالت تحافظ على موقفها الحامي لعفرين وتنظيم "ي ب ك"، الأمر الذي يزعج أنقرة.

لكن، من المحتمل أيضا أن تركيا لا تأمل المزيد من روسيا فيما يخص تطهير عفرين من الإرهابيين، وصحيح أن الروس لم يعلنوا دعمهم للتنظيم المذكور مثل الولايات المتحدة والغرب، إلا أن موسكو تنظر دائما للتنظيم على أنه ورقة يمكن استخدامها ضد تركيا.

وحصرت روسيا تعاملها مع "ب ي د / ي ب ك" ضمن نطاق محدد، بحيث جعلت هذا التعامل ضمن إطار محصور لا يلحق ضررا على علاقات موسكو مع دول المنطقة.

وخلال الفترة التي شهدت فيها العلاقات التركية الروسية تدهورا عقب حادثة إسقاط المقاتلة الروسية عام 2015، قدمت روسيا نوعا من الدعم للتنظيم الإرهابي، تمثّل بالسماح للأكراد بمن فيهم عناصر "ب ي د"، بتنظيم مؤتمر بموسكو.

كما سمحت للتنظيم بتأسيس مكتب بالعاصمة الروسية، قبل أن ترغب أخيرا، بتوجيه دعوة إلى "ب ي د" للمشاركة في مؤتمر الحوار السوري بمدينة سوتشي.

تركيا من جانبها، رأت أنها قد تحصل على تنازلات بخصوص "ي ب ك" من خلال التفاوض مع روسيا، بعكس ما جرى مع الولايات المتحدة، وتعد عملية "درع الفرات" مثالا على هذا الأمر.

فتركيا تسعى اليوم إلى تأسيس الشروط التي تمكّنها من استهداف "ي ب ك" بشكل مباشر، وهذا ما يجعل "عفرين" في مقدمة أهدافها، ولكن الحماية الروسية للتنظيم في عفرين تزيد من انزعاجها.

كما أن السلطات الروسية تعلن أهمية التعاون مع تركيا في سوريا، إلا أنها لا تقدم أي شيء بخصوص المشكلة التي تعتبرها تركيا خطيرة للغاية، ما يزيد التوتر بين الجانبين، واستعراض القوى المتبادل في إدلب، خلال الآونة الأخيرة، يندرج ضمن هذا السياق.

تباينت الآراء، مؤخرا، بين روسيا وإيران بشأن مستقبل سوريا، فطهران تختلف مع موسكو حول قضايا مختلفة، مثل مناطق "ي ب ك" وموضوع الفدرالية، ما قد يدفع نحو تقارب في الموقفين التركي والإيراني خلال المرحلة القادمة، رغم اختلاف الآراء.

كما أن التعاون بين أنقرة وطهران الذي شمل بغداد أيضا، نجح بفترة وجيزة، في تغيير موازين القوى بالعراق، وتمكنت تركيا من تعزيز تأثيرها في مكافحة منظمة "بي كا كا" الإرهابية هناك.

وخلال هذه الفترة، لم يطرأ أي تغيير على الموقف التركي من الحشد الشعبي (ميليشيات شيعية) المدعوم من إيران، وقد يتكرر الأمر نفسه بسوريا.

ومن العوامل التي ستحدد مستقبل التعاون التركي الإيراني، السياسة المتوقعة لواشنطن تجاه الشرق الأوسط لمرحلة ما بعد "داعش"، فإدارة ترامب بدأت تركز حاليا على تحجيم إيران في المنطقة.

والاحتجاجات الناجمة عن الديناميات الداخلية في إيران قد تكون بمثابة دليل أمام واشنطن حول طبيعة سياستها المقبلة بالمنطقة، وقد يلجأ البلد الأخير إلى تعميق التصدعات الداخلية في إيران عبر العقوبات الاقتصادية، بسبب صعوبة خيارات التدخل العسكري أو الحرب بالوكالة بهذا البلد.

وبذلك، ستشعر إيران بضرورة كسب تركيا إلى صفها، على خلفية تعرضها للضغوط الأمريكية، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين أنقرة وواشنطن أسوأ توتر في تاريخها، وقد تتفاقم أكثر خلال 2018.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!