علي حسين باكير _ عربي 21

انتشرت في الأيام القليلة الماضية العديد من الاجتهادات التي تتضمن تحليلات متعددة، ومختلفة لطبيعة ما يحصل في العلاقة بين مصر وقطر، وانعكاسات إعادة الانفتاح التدريجي بين قطر ومصر على وضع النظام المصري، والموقف التركي من ذلك، وعمّا إذا كان هذا الانفتاح سيدفع بطبيعة الحال أنقرة إلى تقارب مع مصر في المرحلة اللاحقة أم لا.

في البداية لا بد أن نؤكد انفصال المسار بين قطر ومصر من جهة، وبين تركيا ومصر من جهة أخرى.

صحيح أنّ جميع هذه الدول بالإضافة إلى تلك التي تقف في خلفية المشهد تواجه الظروف الإقليمية نفسها تقريباً، لكن المعطيات الداخلية لكل منها، بالإضافة إلى قدرة كل من هذه الدول على مقاومة المعطيات المتعلقة بها تختلف بشكل جوهري، وعليه، فظروف وانعكاسات هذه الظروف على آلية اتخاذ القرار مختلفة.

البعض يعتقد أنّ التقارب الذي حصل مؤخراً بين قطر ومصر هو طوق النجاة لنظام الانقلاب في مصر، وأن إغلاق الجزيرة مباشر سيؤدي إلى تخفيف الضغط عليه، لأنه سيعتّم على الكوارث الفظيعة التي تسبب بها هذا الانقلاب، وكذلك على الانتهاكات التي لا يزال يستمر في ممارستها. أنا شخصياً أعتقد عكس ذلك تماماً.

برأيي فإنّ الضغط الداخلي الناجم عن تراكم تداعيات الانقلاب سيزداد على هذا النظام، لأنه سيفقد الذريعة التي لطالما تحجج بأنّها السبب وراء تدهور أوضاعه.  وغياب حجّة قطر والجزيرة مباشر سيضع كل ادعاءاته التي تقول بأن المشكلة خارجية وليست داخلية، وأن الخارج يعرقل التوصل إلى حلول في مصر  سيضعها تحت الاختبار المباشر.

لا شك بطبيعة الحال أن هناك من سيحاول استغلال هذه الفسحة الزمنية الناجمة عن الانفتاح القطري على مصر لشرعنة النظام، وزيادة دعمه لتثبيت حكمه، لكني أعتقد أنّ ذلك لن ينجح على المدى البعيد. وإن تصوّر البعض أن إسكات الناس عبر الزج بهم في السجون والمعتقلات والقتل والاغتيال المعنوي والنفسي والجسدي سيحقق الاستقرار، ويمكّن النظام من الادعاء أنه نجح في مهمّته، فإن ذلك لا يعني حقيقة أنّ الهدوء الناجم عن الاستقرار قد عاد، بقدر ما يعني أنّه الهدوء الذي يسبق العاصفة الأكبر، والانفجار الأعظم، لأن الخلل في مصر هو خلل هيكلي وبنيوي وعضوي، ومن المستحيل إصلاحه بدعم مالي أو نفطي أو سياسي إذا لم يتغير النظام شكلاً ومضموناً.

الانفجار الأول للثورة في مصر لم يحصل بسبب قطر أو الجزيرة أو بسبب تركيا، بل على العكس كانت العلاقات جيدة، وكان ولا يزال بإمكان الشاب المصري أن يقارن حال تركيا بحال مصر، وحال الشاب التركي بحال الشاب المصري، ويصل إلى الاستنتاج أن نظامه غير صالح، وخارج التاريخ، ولا بد من تغييره، وأنّ عقوداً من صناعة الأوهام انتهت، بأن تصبح دولة بحجم مصر فعلياً بحجم معبر رفح، بعرض مترين بمترين، وأن يصبح وزنها أقل بأشواط من وزن بعض الدول المجهرية في المنطقة.

ولذلك، فلا خوف على مستقبل الثورة في مصر، لأن قمع الثورة لا يعني انتهاءها، بقدر ما يعني التحضير لغليان أكبر.

كم هو الوقت الذي سيستغرقه حصول الانفجار الثاني، هذا ما قد نختلف عليه، ولكن ليس على المبدأ من أساسه.

أمّا بالنسبة إلى تركيا، والموقف من مصر، فقد راجت مؤخراً عدّة مقولات لا أرى أنها صحيحة بتاتاً:

1) الأولى تقول إنّ هناك تحوّلاً في الموقف التركي من مصر، وقد بني هذا التقدير على تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينج، الأخيرة: هذه المقولة غير صحيحة. لأنّ التحول يحصل عندما يكون هناك تغيّر جذري في الموقف، ولا أرى أي تغيير جذري في الموقف التركي.

في الحزب الحاكم كان ومازال هناك خطّان؛ خط يقول إن تركيا عبّرت عن موقفها المبدئي من الانقلاب، وإنها فعلت ما بوسعها لتوصل موقفها إقليمياً ودولياً، وإنه لا داعي أن يتم التشهير عند كل مقابلة أو لقاء أو تصريح بالرئيس المصري، وإنه من المفيد إبقاء "حد أدنى من التواصل على الأقل" مع الجانب المصري الرسمي، لمعالجة بعض القضايا الإقليمية المهمة، التي قد تتطلب أن يكون مثل هذا التوصل في حدّه الأدنى موجوداً.

ومن بين هؤلاء أرينتش الذي خرج بتصريحه قبل أيام. والخط الثاني هو لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، الذي يحاول عدد من المسؤولين الأتراك تليين وتلطيف موقفه بين الحين والآخر، للوصول إلى هدفهم، وهو حد أدنى من التواصل. وبالتالي لا جديد في القول، ولا تحوّل، لأنه موجود من قبل.

2) المقولة الثانية تقول إنّ خطوة قطر ستدفع الجانب التركي الآن إلى لقاء المصريين. هذه المقولة غير صحيحة أيضاً. ليست هي من سيدفعه، لأن محاولات التواصل بين المصريين والأتراك سابقة حتى على ما جرى بين قطر ومصر، وكانت ستتم قبل قطر أيضاً، لولا حماقة النظام المصري الذي أراد استغلالها لتسويق الشرعية المكتسبة، مما أدى إلى فشلها.

 

حصول مثل هذه المحاولات سابقاً يعني أنّ هناك احتمالاً لحصولها لاحقاً، لكنّ ذلك يرتبط بالنسبة إلى الجانب التركي بالنظام المصري نفسه، فأرينتش قال إن المبادرة يجب أن تأتي من جانب مصر، وأما المتحدث باسم الخارجية التركية فقد ربطها بتغيّر سلوك النظام المصري نفسه، علماً بأنّ هناك بعض المعلومات التي تشير إلى أن الجانب التركي يمتلك تصوراً عما سيطلبه مقابل الانفتاح في حده الأدنى على النظام المصري، ويصب تحديداً في صالح المعارضة المصرية، والرئيس الشرعي الذي تم الانقلاب عليه.

3) المقولة الثالثة، تفيد بأنّ زيارة أمير قطر إلى تركيا أثمرت عن اتجاه تركيا لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج، وأنّ الأوّل توسّط أيضاً لاستئناف العلاقات التركية مع مصر، هذا الكلام غير صحيح أيضاً.

الزيارة كانت مبرمجة منذ فترة كما هو معلوم، وليس لها علاقة بهذا الموضوع، وركّزت في الأساس على توقيع اتفاقيات استراتيجية للتعاون مع تركيا، ولم يعرض أحد وساطة حول الموضوع المصري.

أضف إلى ذلك، أنّ الجانب التركي لم يسع ولا يريد أن يسعى إلى مشاكل مع دول مجلس التعاون الخليجي، على اعتبار أن غالبية هذه الدول تلتقي مع تركيا في عدد من الملفات الإقليمية على الأقل، لناحية الخطوط العريضة، كما أنّ تركيا كانت ومازالت تراعي خصوصية هذه البلدان في محيطها العربي.

فمثلاً على الرغم من الهجومات الكثيرة التي شنتها الصحافة السعودية والإماراتية على تركيا، لم ترد الأخيرة، ناهيك عن الموقف التركي الإيجابي من البحرين.

عموماً لم تنقطع العلاقة بين تركيا ودول المجلس، ولم تسؤ حتى إلى المستوى الذي يظن البعض أنها وصلت إليه، باستثناء العلاقة مع الإمارات، فهي فاترة جداً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس