د. مصطفى حامد أوغلو - ترك برس

وأخيراً إنطلقت معركة عفرين ، وبدأت الطائرات التركية تقصف مواقع قوات الحماية الكردية ،التي تلقى دعما مزدوجاً من أمريكا وروسيا ، وبل مربعاً اذا اضفنا النظام وايران من خلفهما .

التهديد التركي المستمر بقصف هذه الميلشيات، واللهجة القوية، واظهار العزم والاصرار وثبات هذا القرار على لسان رئيس تركيا طيب أردوغان ،والاستعدادت العسكرية التركية كانت أكبر دليل على أن هذه العملية قادمة لامحالة.

أمريكا قرأت هذا التهديدات التركية، والصلابة بالقرار، قراءة صحيحة وأرادت الخروج من هذه المعركة بأقل الخسائر و أفضل المكاسب.

رمت الكرة بمعلب روسيا ظانة أن الأخيرة لن تفرط بهذه الورقة ولن تتخلى عن قوات الحماية الكردية بعفرين ولن تسمح لتركيا باجتياح عفرين بهذه السهولة. كانت بداية الهزيمة النفسية لقوات الحماية الكردية عندما أعلنت أمريكا أن منطقة عفرين ليست ضمن مسؤولية التحالف الدولي وأنها لا تدعم هذه القوات في هذه المنطقة .

سحب روسيا لعناصر المراقبة الى تل رفعت جاء ليقضي على بصيص الأمل والتعويل على الحماية الروسية و ليهدم المعنويات المتبقية لدى الميليشيات الكردية ليكمل الهزيمة النفسية ويعلن بداية الهزيمة العسكرية . إذاً تخلت أمريكا ،ومن بعدها روسيا ، عن هذه الميليشيات الكردية، ولكل منهما حساباته ومكاسبه من هذا التخلي والخذلان..

أمريكا تريد الانشغال بشرق الفرات ، وهو الأهم بالنسبة لها. وروسيا استجابت على مضض بعد تفاهمات مع تركيا التي تحتاجها في ملفات عديدة ، منها مؤتمر سوتشي وإدلب ،خاصة وهي تسابق الزمن للحصول على نصراً ملموسا في سورية ، قبل الانتخابات القادمة والوضع الاقتصادي المتراجع.

بدأت عملية "غصن الزيتون"بقصف جوي مكثف من قبل الطائرات التركية ،مستهدفة المواقع والاحداثيات المحددة بشكل دقيق، ليبدأ الاجتياح البري في اليوم الثاني مباشرة ،وهذه مؤشرات لنجاح العملية منذ البداية، ومؤشر على انها لن تستغرق زمنا طويلاً مالم يحدث مفاجئات ليست بالحسبان وقد يكون التحرك الفرنسي المفاجيئ واحدة منها..!!

أربعة ملامح ومؤشرات لنجاح هذه العملية العسكرية في عفرين،أولها المعلومات الاستخبارية الدقيقة والكافية التي بجعبة القيادة التركية، وثانيها الدبلوماسية الناجحة التي اعطتها تركيا أهمية خاصة ، والثالثة الحرب النفسية والتهيئة للرأي العام وحشد الدعم النفسي والاعلامي ،والرابعة هي العملية العسكرية الخاطفة والمدروسة على أرضية هذه الاستعدات اللوجستية.

إذاً بدأت عملية "غصن الزيتون" من قبل القوات العسكرية التركية ، والجيش السوري الحر، ضد ميليشيات الحماية الكردية ،هذا في الظاهر ،ولكن وراء الكواليس هناك عدة دول أخرى مشاركة بشكل غير مباشر (!) هي أمريكا وروسيا والنظام السوري وأيران .

وكل طرف من هذه الأطراف يريد أن تكون عفرين معركته، ويريد أن يكون هو الفائز والمنتصر في هذه المعركة ... فعفرين معركة مَن إذاً...!؟ "غصن الزيتون" هي معركة تركيا بالدرجة الأولى بدون أي خلاف ،لأنها بدأت تستشعر خطورة تواجد هذه الميليشيات في خاصرتها، وبدأت تنظر للأمر على أنه ليس فقط تهديداً للأمن القومي، بل هو تهديداً لبقاء الدولة التركية برمتها .

ولم يعد هناك شيء لايمكن المخاطرة به، ولم يعد بالامكان الصبر أكثر من ذلك. نجاح تركيا في هذه المعركة ، سيمنحها موقفا جديداً وهاماً في رسم معالم المنطقة ، ويجعلها تبعد هذه الميليشيات عن حدود البحر الابيض المتوسط ،لتتفرغ للمرحلة الأهم وهي شرق الفرات .

ثانياً الجيش السوري الحر ، المشارك بشكل فعلي في معركة عفرين، هو أيضاً معني بربح هذه المعركة لاستعادة الثقة بنفسه من جديد ، واعطاء الثورة السورية زخماً جديداً ،وخاصة انه قد اكتسب خبرة كبيرة خلال مشاركته بعملية درع الفرات، وقدم المئات من الشهداء ،وإن كانت المرحلة اللاحقة مخيبة للآمال حيث لم يستطع تحويل النصر العسكري الى مكاسب على أرض الواقع من تأمين الأمن والأمان لتلك المنطقة. فعليه كسب المعركة أولاً ،وتحويل هذا النصر الى مكاسب للثورة السورية على أرض الواقع.

اليوم معركة عفرين هي فرصة له لكي يعيد تواجده وحضوره ويمتلك أرضاً جديدة...

قوات الحماية الكردية التي تعاني من خذلان مزدوج، وخيبة أمل مضاعفة ،بدأت تدرك حقيقة القوة العسكرية التركية، وشعرت بهزالة قوتها بدون دعم خارجي ،تعتبر معركة عفرين معركة فاصلة ومصيرية على مستقبلها ومعنوايات مقاتليها ،ولن تقبل التخلي عن عفرين بسهولة ،خاصة لما تمتلكه هذه المنطقة ن أهمية خاصة تاريخياً وجغرافياً ومعنوياً بالنسبة لهذه الميليشيات.

أمريكا التي آثرت التنازل عن عفرين مؤقتاً ، والتخلي عن قوات الحماية في هذه المنطقة ، تريد هي الأخرى ربح المعركة ، تريد التفرغ لشرق الفرات وتريد أن يكون هناك ضريبة تقبل بها تركيا ، هذا إن لم يكن هذا التغاضي عن التدخل التركي فخاً مخططاً لتوريط تركيا به..!!

روسيا المحتل الحالي لسوريا ، لم تكن لتقبل بهذه العملية العسكرية لولا حاجتها لأهم منها، تريد انجاح سوتشي، الذي يعني بالنسبة لها هو عودة النظام ليحكم كل سورية وعندها ستكون عودة عفرين مجرد تحصيل حاصل .وكذلك ادلب وهيئة تحرير الشام كانتا على طاولة المفاوضات التركية الروسية.

النظام الذي استعاد بصيص الأمل لعودته لهذه المنطقة عن طريق التفاهمات التركية الروسية، أو الانسحابات الكردية وتسليم عفرين له قبل بدأ العملية العسكرية التركية ،ينتظر اليوم ما ستؤل اليه نتائج المعركة عسكرياً وسياسياً...

ايران الغائب الحاضر في كل ملفات الأزمة السورية ، هي الاخرى تدعم بشكل غير مباشر كل من يحقق لها مكاسب على الأرض السورية ،ولديها الاستعداد للبيع والشراء مع كل العناصر الفاعلة مهما كانت تدعي العداوة العلنية لهذا الطرف .فالغاية تبرر الوسيلة سياسة اتبعتها في كل تدخلاتها ومفاوضاتها وعلاقاتها.

إذاً معركة عفرين معركة كل الدول المتحاربة على الأرض السورية .... والكل يريد الخروج منها بأفضل المكاسب....

ويظل السؤال الأهم هو هل تكون "غصن الزيتون "معركة الشعب السوري قبل الجميع وهل يكون هو الرابح الأول من هذه المعركة...!!؟؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس