د. محمد عزيز البياتي - خاص ترك برس

تطرح استعدادات القوات المسلحة التركية لبدء معركة تحرير عفرين من قوات قسد  السؤال المحوري الآتي:

هل أمن اعزاز ومارع والباب، وحتى إدلب مرتبط بتطهير تركيا     لعفرين من قوات سوريا الديمقراطية؟

وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة عسكريا، فهل أسهمت واقعيا وليس افتراضيا في أن يعدّل الرئيس التركي أردوغان مؤخّراً سياسته بشأن سوريا على النحو الآتي:

أولا : تغيّرت الأولويات نحو تحقيق هدفين في آن واحد: منع إقامة إدارة ذاتية كردية سورية تخضع لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» متاخمة لتركيا، وإعادة هندسة العلاقات الاستراتيجية التركية الأمريكية بما يضمن الأمن القومي التركي.

ثانيا: هل تحمل العملية العسكرية الجديدة بشمال سوريا ذات الشكل والطابع اللذين سلكتهما "درع الفرات"، أم أن المضمون مختلف؟ 

ثالثا: هل ستكون العملية مشتركة بين القوات الخاصة التركية وفصائل المعارضة المسلحة للنظام السوري؟

رابعا :هل سيتم استهداف المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني "وخاصة الطريق البري لإمدادات حزب العمال الكردستاني شنكال + سنجار + السليمانية + رانيا + قنديل بضربات جوية تركية"؟

والقوات الموالية له مثل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا؟

وربما تساعدنا تقارير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية عن مجريات الأعمال العسكرية الدائرة في سوريا والعراق في إجابتنا على هذه الأسئلة، وفي فهم دوافع ومبرراتربط الرئيس التركي أردوغان لمعركة تحرير عفرين بعدة أهداف أبرزها الآتي:

اثنان منهما يمكن تحقيقهما في المنظور القريب وهما:

الأول: أمن اعزاز ومارع والباب، وحتى إدلب مرتبط بتطهير تركيا   لعفرين من قوات سوريا الديمقراطية.

الثاني: منع إقامة إدارة ذاتية كردية سورية تخضع لسيطرة «حزب  الاتحاد الديمقراطي» متاخمة لتركيا.

والهدف الثالث: إعادة ترتيب العلاقات الاستراتيجية التركية الأمريكية وبما يضمن الأمن القومي التركي. وهو هدف مرهون بعاملين: الوقت والمتغيرات العسكرية على الساحة السورية بعد التقارب التركي الإيراني الروسي الأخير.

وربما حدثت تطورات على الساحة السورية دفعت تركيا لاتخاذ مواقف حازمة لحماية أمنها القومي، إذ نقلت وسائل إعلام روسية عن الرئيس التركي السيد أردوغان قوله لصحيفة إزفيستيا: إن سوريا تشهد في الوقت الراهن عمليات سلبية، وإذا تمخّض عن هذه العمليات أيّ خطر يتهدّد أمن حدودنا، فسنردّ كما فعلنا خلال عملية درع الفرات."

ويعرب الرئيس التركي عن استعداد بلاده لعمل جديد في شمال سوريا وإلحاق عفرين ومنبج  بمنطقة مسؤوليتها ضماناً لأمن الحدود التركية، وعن أسفه حيال "تواطؤ شركاء استراتيجيين لأنقرة مع الإرهابيين من تنظيمي "حزب العمال الكردستاني"، وجناحه العسكري المتمثل في فصائل الحماية الشعبية الكردية" الناشطة شمال سوريا.

وتشير المصادر العسكرية التركية إلى أن الرسم البياني لمعركة عفرين ومنبج القادمة سوف تشمل العديد من المواقع الاستراتيجية المهمة وأبرزها المواقع الآتية:

أولا: يشير الرسم البياني لحركة القوات المسلحة التركية، وأنها ستبدأ من جنوب اعزاز وصولا إلى كفرنايا مرورا بنقاط جيو استراتيجية مثل عين دقنة وتل رفعت.

ثانيا: تركيز القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على مناطق  تمركز قوات سوريا الديمقراطية في عدة مواقع أبرزها مرعناز، والشيخ عيسى، ودارة عزة، وقلعة سمعان، وأطمة، وباب الهوى، وجنديرس.

ثالثا: إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى ولاية كلّس التركية  الحدودية مع سوريا.

رابعا: التركيز على حصار عفرين لموقعها الجيو استراتيجي إذ إنها  تقع في شمال غربى سوريا في منطقة جبلية، ويحدها من الجهة الغربية سهل العمق في النهر الأسود ولواء إسكندرون، ومن الجهة الشمالية خط سمة القطار الذي يمر من منطقة إكبس حتى يصل إلى كلس، ومن الجهة الجنوبية جبل سمعان، ومن الجهة الشرقية سهل أعزاز.

وتعد منطقة عفرين من المناطق الجبلية التي يتراوح ارتفاعها ما بين سبعمئة وألف ومئتين وستة وتسعين مترا.

ويعتبر الجبل الكبير أو ما يعرف بجبل كرية مازن أعلى قممها، والذي يعتبر قسماً من مجموعة جبال طوروس الواقعة في سوريا، ولكون عفرين منطقة جبلية توفر لها وعوتها الجبلية حماية تفوق حجم القوة المجردة التي تدافع عنها حاليا.

وبسبب الأهمية الجيو استراتيجية لعفرين فإن القيادة العسكرية  التركية سوف تستخدم سيناريو أسوأ الاحتمالات في التعامل مع طبيعتها الجبلية التي تعد بمثابة سلاح طبيعي معقد يساهم في صعوبة اقتحامها.

ووفقًا لهذه المعضلة الجبلية فإن القيادة العسكرية التركية سوف تدخلها (عفرين)، من ثلاثة محاور رئيسية لتسيطر على منطقة تمتد على طول 85 كيومترًا، وعمق 35 كيلومترًا، شمال عفرين.

وهي تخطط لتشكيل ممرٍ عسكري بدءًا من دارة عزة- قلعة سمعان  شرقًا، وصولًا إلى خربة الجوز غربًا، كما تخطط الدخول من حدود ولاية هاتاي جنوب تركيا، وصولًا إلى سهل الغاب في ريف حماة الغربي، على عمق 35 كيلومترًا.

وطبقا لصور الأقمار الصناعية لطبيعة المنطقة الجبلية لعفرين  واستنادا لمعلومات الجهد الاستخباري والاطلاع الميداني قررت تركيا اختيار محورين لدخول عفرين ربما يساعدانها في توفير عنصري الوقت والجهد العسكري: إما محور طريق أطمة وصولًا إلى بلدة دارة عزة وجبل بركات، غرب حلب، أو محور طريق سلقين وحارم.

وفي أولويات القيادة العسكرية التركية تحقيق تقارب وتناسق بين  أهداف معركة درع الفرات ومعركة سيف الفرات. ويتلخص ذلك بتحقيق هدفين استراتيجيين: 

أولا: الهدف العسكري: استكمال محاور تطويق عفرين. وذلك من خلال سيطرة القوات المسلحة التركية على المناطق   الممتدة بين أعزاز وعفرين، مما يعني الوصول إلى التخوم الشرقية لمدينة عفرين، ليكتمل بذلك وضع المدينة في قوس حصار من الشرق والشمال حيث الحدود التركية.

ثانيا: الهدف السياسي . بقيام القوات المسلحة التركية باحباط مخطط "عفرين- البحر المتوسط"، منعًا لوصول وحدات "حماية الشعب" (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، ويعد هذا الحزب بمثابة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)) المتمركزة في عفرين، إلى البحر... تمامًا كما أحبط ممر (عين العرب- عفرين) من قبل في معركة (درع الفرات) شمال حلب.

وهذه الخطوات المتناسقة العسكرية تثبت أن القيادة العسكرية التركية تتحرك ضمن استراتيجية عسكرية تتضمن وحدة الهدف في كل من عملية درع الفرات ومعركة سيف الفرات المقبلة.

ولأن تركيا، التي تعتبر «الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية  الشعب» تابعين لـ«حزب العمال الكردستاني» وتنظيمين إرهابيين، اعتبرت الربط بين المناطق الثلاثة هي الحسكة وعين العرب شرق نهر الفرات وعفرين غرب الفرات، وقيام إدارة ذاتية كردية شمال سوريا خطًا أحمر، يهدد أمنها القومي.

ولذلك بنيت الاستراتيجية العسكرية التركية على هدف محوري في  عملية درع الفرات وتمثل ذلك بتوغل القوات التركية شمال حلب لمنع الربط بين إقليمي الحسكة وعين العرب شرق الفرات وإقليم عفرين غرب الفرات.

ويبدو أن القيادة العسكرية التركية كانت موفقة في توظيفها لعنصري الفرص التكتيكية ودقة توقيت بدء معاركها ففي معركة درع الفرات في آب/ أغسطس 2016 وجدت أنقرة في معارك الحسكة التي اندلعت بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكرديّة فرصةً تكتيكية سانحةً سرعانَ ما استغلّتها وأطلقت «درع الفرات»
وربما توظف تركيا في معركة عفرين ومنبج المقبلة استغلال  الانسحاب الروسي من عفرين 
إذ أكد وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، أن بلاده عازمة على تنفيذ عملية عفرين، وتنتظر الوقت الأكثر فاعلية من أجل ذلك، مبيناً أن الهدف الرئيسي هو إزالة كافة خطوط الإرهاب من شمالي سوريا.

ويأتي هذا بالتزامن مع انسحاب القوات الروسية المتمركزة في عفرين، من المدينة قبيل بدء الجيش التركي بعمليته المرتقبة عليها.

وقال "جانيكلي" في مقابلة تلفزيونية على إحدى القنوات التركية يوم الجمعة، إن "عملية عفرين العسكرية ستنفذ، لكن توقيتها متعلق بإنجازها في الوقت الأكثر فاعلية ونجاحا. وستتم إزالة كافة خطوط الإرهاب شمالي سوريا، ولا حل آخر لذلك." 

علاقة تكتيكية أم استراتيجية تلك التي تربط الولايات المتحدة  الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية؟

العلاقة تكتيكية بينهما، رغم علم أمريكا بارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال  الكردستاني، وبالرغم من إدراج «حزب العمال الكردستاني» ضمن قائمة  المنظمات الإرهابية، وتشديد «حزب الاتحاد الديمقراطي» على استقلاليته عن «حزب العمال الكردستاني»، ولكن أعضاء سوريين من «حزب العمال الكردستاني» يتحكّمون بـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، كما تحتلّ كوادر غير سورية من «حزب العمال الكردستاني» مناصب رئيسية في «وحدات حماية الشعب»، وحتى مع ذلك، تواصل الولايات المتّحدة عملها عن كثب مع «حزب  الاتحاد الديمقراطي» بالرغم من إدراج «حزب العمال الكردستاني» ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وانضمت «وحدات حماية الشعب» إلى عدد من الألوية العربية لإنشاء «قوّات سوريا الديمقراطية» وأثبتت هذه الجماعة أنها أفضل حليف سوري لواشنطن ضد تنظيم "داعش" حسب رأي الولايات المتحدة.

وكما أشار الجنرال الأمريكي شون ماكفارلاند في مؤتمر صحفي في 10 آب/ أغسطس 2017، إلى ذلك: "عندما سيطرت «قوّات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية على 20 في المئة من أراضي تنظيم «داعش» في سوريا بمساعدة الضربات الجويّة الأمريكية."

وتلقّت وحدات «قوّات سوريا الديمقراطية» أسلحة ثقيلة (مثل  صواريخ جافلين)، وتدريبات "القوّات الخاصة" من الولايات المتّحدة لتحقيق هذه الغاية.

وفي مؤتمر صحفي عُقد في 16 آب 2017، أشار العقيد في الجيش  الأمريكي كريستوفر غارفر إلى "أن «وحدات حماية الشعب» الكردية شكّلت 15 في المئة فقط من القوّات المنتصرة في منبج ومدينة الشدادي جنوب الحسكة."

وفي 20 آب 2017 قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بأنها  "قوّات برية قادرة ومحفّزة" عندما يتعلق الأمر بـ"الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها". وحتى الآن، ساعد التعاون الأمريكي «حزب الاتحاد الديمقراطي» على توحيد مقاطعة الجزيرة الشرقية ومقاطعة كوباني المركزية. ويكمن هدف الحزب التالي في ربط هاتين المنطقتين بمنطقة عفرين الأصغر حجماً في محافظة حلب وإنشاء ممرّ متاخم على طول الحدود التركية.

وقد عبّرت أنقرة باستمرار عن معارضتها الشديدة لهذه  الاستراتيجية... وعزز تلك المخاوف التركية تواجد قوات وحدات حماية الشعب الكردية في المناطق الآتية:

أولا: الحسكة في شمال شرق سوريا. مناطق كردية شمالاً يتحكّم بها «حزب الاتحاد الديمقراطي» وأحياء عربية جنوباً تخضع لسيطرة النظام السوري.

ثانيا: يسيطر الأكراد أيضاً على بعض النقاط في القطاعين الجنوبي  الغربي والجنوبي الشرقي من سوريا.

ثالثا: مقاطعة الجزيرة الشرقية ومقاطعة كوباني. وهدف حزب الاتحاد الديمقراطي التالي في ربط هاتين المنطقتين بمقاطعة عفرين الأصغر حجماً في محافظة حلب وإنشاء ممرّ متاخم على طول الحدود التركية، وهو ما يمثل خطًا أحمر لتركيا.

وأن «وحدات حماية الشعب» الكردية شكّلت 15 في المئة فقط من القوّات المنتصرة في منبج، بينما شكل العرب ما تبقّى من المقاتلين. وأن العرب شكّلوا 40 في المئة من القوات التي استعادت مدينة  الشدادي جنوب الحسكة.

ومن المفترض أن يحوّل «حزب الاتحاد الديمقراطي» تركيزه نحو  بقائه فقط بدلاً من توسيع أراضيه، فيعيد على الأرجح نشر قوّاته بسحبها من منطقة حلب باتجاه مدينة الحسكة شرقاً
ومثل هذا التطور، قد ينهي بشكل فعلي الاستراتيجية الأمريكية  لإغلاق جيب منبج الذي وفّر لـ تنظيم «داعش» منفذاً إلى العالم الخارجي عبر الحدود التركية.

ولطالما شاب التعقيد هذه الاستراتيجية لأن تركيا عارضت سيطرة  «حزب الاتحاد الديمقراطي» على هذه المنطقة.

وختاما لا بد من الإشارة إلى الأمور الآتية:

أولا: ترددت أنباء غير مؤكدة عن وجود اتفاق بين أنقرة وموسكو قضى بتعهد روسيا انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» من تل رفعت وقرى مجاورة قرب عفرين مقابل عدم دخول فصائل «درع الفرات» التي يدعمها الجيش التركي إلى منبج التي أقيم فيها مركز للجيش الأمريكي.

ثانيا: أُثير موضوع التدخل التركي في عفرين سابقا مع المبعوث الرئاسي الأمريكي، بريت ماغورك، خلال زيارته لريف الرقة ، فأجاب الموقف الأمريكي واضح ومبدئي.

وقال أيضا: "إن هذه المناطق (في عفرين) تابعة لروسيا، وهناك مناطق تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك اتفاق بينهم (بين الأمريكان والروس) شرق نهر الفرات للأمريكيين وغرب نهر الفرات للروس.

وكانت مصادر إعلامية قد نسبت إلى ماكغورك قوله، في أثناء لقائه أعضاء «المجلس المحلي للرقة»، إنّ «تنفيذ تركيا أيّ هجوم على عفرين أو أيّ منطقة أخرى في شمال سوريا، سيكون بمثابة انقطاع آخر خيوط العلاقات الأمريكية ــ التركية».

مع ذلك فإنه يمكن القول إن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية إزاء كل من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية قائمة على ركن أساسي مفاده الإصرار الأمريكي على إدارة دفة العداء بين الأتراك والأكراد بما يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويضمن استمرار حاجة الطرفين إليها.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية ربما أدركت أن تركيا سوف لن  ترضى بأنصاف الحلول، خاصة إذا تعلق ذلك بتهديد أمنها القومي.

لذلك فإن القيادة العسكرية التركية سوف تتحرك نحو عفرين ومنبج لموقعهما الجيو استراتيجي، والتي تميزهما عن جميع المناطق الأخرى، ومن ضمنها منطقة الجزيرة
وهذه الخصوصية نابعة من أمرين.

الأول: موقعها الجيو استراتيجي القريب من ساحل البحر الأبيض  المتوسط.

الثاني: تواجد أعداد كبيرة من الأكراد فيها وأغلبهم موالون لحزب  الاتحاد الديمقراطي
وهذه الخصوصية تحديدآ تقلق تركيا.

وتتوجس تركيا من قيام كيان كردي في شمال سوريا يمتد من حدود  جنوب سوريا، وينتهي على شواطئ البحر المتوسط وبنفس الوقت تدرك تركيا حقيقتين لا يمكن تغافلهما عن أهمية عفرين ومنبج الجيو استراتيجية:

أولا: تركيا تعلم، بأن سيطرة الكرد على كل من مدينة منبج وتل  رفعت وشيخ عيسى، يمنحهم الفرصة، في أي وقت لتحرير الباب وجرابلس من يد الفصائل المسلحة المعارضة للنظام السوري والتي تحظى بدعم تركي وربطهما بعفرين.

ثانيا: تدرك تركيا بأن الإدارة الذاتية الكردية السورية، لن تكتمل من دون ضم منطقة عفرين إليها.

وستكون هذه الإدارة الذاتية الكردية السورية ضعيفة، ويمكن احتواؤها من خلال حصارها اقتصاديًا، ومن ثم إخضاعها سياسًي بسهولة. ولهذا فإن مصير منطقة عفرين ومنبج مهم للغاية في هذا المجال، ومن هنا  يحاول الأتراك بالخطوات الاستراتيجية الآتية:

السيطرة على عفرين أو على الأقل استكمال إجراءات تطويقها تمهيد لدخولها.

سيطرة تركيا على عفرين سوف يعطيها ميزة التحكم بجزء من  شمال سوريا، لحماية أمنها القومي.

توسيع مناطق نفوذها، من خلال ربط ريف حلب الشمالي والشرقي مع محافظة إدلب، وهو ما سيزيد من نفوذ تركيا بسوريا من جهة، وتحجيم الدور الكردي في سوريا، وخاصة بعد تكليفهم بتحرير مدينة الرقة والطبقة من جهة أخرى.

وليس أمام الولايات المتحدة الأمريكية إلا خيار واحد تجاه الأتراك يتمثل بالتزام الصمت إزاء قرار تركيا بدخول عفرين، مثلما التزمت الصمت سابقا بدخول تركيا لجرابلس والباب.

وسبب ذلك أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا هي علاقة استراتيجية وسوف تستمر في المدى المنظور القريب والمتوسط.

ونقلا عن وكالة الأناضول للأنباء أن مجموعات من القوات الروسية المتمركزة بالقرب من قرية كفر  جنة بمدينة عفرين، بدأت بترك مواقعها متوجهة إلى منطقتي نُبّل والزهراء الخاضعتين لسيطرة النظام السوري.

وتعد رسالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة واضحة ومحددة بشأن تشكيلها جيشًا قوامه 30 عنصر في الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي إذ قال: "لا تقفوا بيننا وبين الإرهابيين. لا تحولوا بيننا وبين قطيع القتلة. وإلا لسنا مسؤولين عن الحوادث غير المرغوب بها التي قد تقع. أنزلوا أعلامكم المرفوعة في معاقل التنظيم الإرهابي (حزب الاتحاد الديمقراطي) حتى لا نضطر لتسليمكم إياها. وخذوا شعاراتكم المثبتة على بزات الإرهابيين حتى لا نضطر إلى دفنها معهم. 
الجيش التركي سيحل مشكلتي عفرين ومنبج خلال أقرب وقت بإذن الله."

"أتممنا استعداداتنا، والعملية يمكن أن تبدأ في أي لحظة. 
وبعد ذلك سيأتي الدور على المناطق الأخرى. ستستمر هذه العمليات حتى لا يبقى إرهابي واحد، وليس 30 ألفا، على حدودنا".

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس