ترك برس

تناول تقرير موسّع في مركز الجزيرة للدراسات، المواقف الدولية والسيناريوهات المحتملة إزاء عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها القوات المسلحة التركية، بالتعاون مع الجيش السوري الحر، ضد ميليشيات "وحدات حماية الشعب" (YPG)، الذراع السوري لمنظمة "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، في منطقة عفرين السورية.

التقرير الذي أعدّه الباحث محمود سمير الرنتيسي، أشار إلى وجود مواقف دولية مهمة وخاصة للقوى الدولية والإقليمية التي تمتاز بحضور وتأثير داخل المشهد في سوريا، وهي: أميركا وروسيا وإيران بالإضافة إلى موقف النظام السوري.

واستعرض التقرير ردود أفعال تلك القوى على العملية التركية في عفرين، على النحو التالي:

الموقف الأميركي

من المعلوم أن أحد البواعث الأساسية للعملية التركية هو تطور الاعتماد الأميركي على وحدات حماية الشعب وتزايد الدعم لهم بالرغم من القضاء على داعش. وقد تساءَلَت تركيا كثيرًا عبر رئيسها عمَّا يعنيه وصف العلاقة بين أنقرة وواشنطن بالتحالف في ظل الدعم الأميركي لجهة على حدود تركيا تعتبرها الأخيرة إرهابية.

ولهذا، فإن الذي كان ماثلًا أمام واشنطن، والتي ليست موجودة في عفرين، هو تخفيف الاحتقان التركي لتجنب تضرر أكبر في العلاقة مع تركيا وعدم تقديم فرصة أكبر لموسكو للتغذي من هذه الحالة؛ وقد قال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس: إن لتركيا مخاوف أمنية "مشروعة" في المنطقة، وإنها كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية.

في حين قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت، في أول يوم للعملية العسكرية: "نحض تركيا على ممارسة ضبط النفس وضمان أن تبقى عملياتها محدودة في نطاقها ومدتها، ودقيقة في أهدافها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين"

وقد قال وزير الخارجية الأميركي، تيلرسون: "إن بلاده "تُقدِّر" حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين، ولكن "الوضع الآن صعب؛ حيث يوجد اختلاط كبير بالمدنيين، ولذلك طلبنا منهم أن يكونوا دقيقين، وأن تكون عملياتهم محدودة، وأن يُظهروا تقيدًا، وسنرى إذا كان بإمكاننا العمل معهم لخلق مناطق أمنية قد يحتاجونها".

قد يكون الموقف الأميركي مقدِّرًا لحالة عدم التحمل التي وصلتها تركيا أو لما يقال إنه فخ روسي نصبه بوتين للإيقاع بين واشنطن وأنقرة ولهذا فإن الموقف الأميركي قد غضَّ الطرف عن العملية التركية في عفرين ولعل هذا ما يفسر تراجع واشنطن عن إعلانها عن تعبير قوة حدودية إلى قوة داخلية في سوريا ولكن ربما سنكون أمام موقف مختلف فيما لو توسعت العملية إلى منبج أو مناطق شرق الفرات.

وفي ذات السياق، ذكرت مصادر صحفية تركية أن تركيا هددت واشنطن بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكوجيجك أمام القوات الأميركية، في حال عارضت عملية عفرين، ونُقل عن وزير الخارجية التركي قوله: "فلا تُجبرونا على اتخاذ خطوات أحادية الجانب، فإن كنتم تضعون هذه الخسائر نصب أعينكم استمروا بمعارضتكم"

الموقف الروسي

ساد شيء من عدم الوضوح بخصوص الموقف الروسي قبيل تقدم تركيا إلى عفرين حيث نفى لافروف انسحاب قوات بلاده من عفرين والتي انسحبت قبل بدء العملية بساعات، وبالرغم من أن روسيا أعربت عن قلقها إلا أنها أعلنت أن واشنطن هي من دفعت أنقرة لهذه الخطوة وأن واشنطن تضغط على الأكراد وتشجعهم على التوجهات الانفصالية.

كما أن التنسيق التركي مع روسيا برز بشكل مباشر من خلال توجه رئيس الأركان والمخابرات التركيين إلى موسكو حيث ذكر وزير الخارجية التركي أن بلاده تُجري مشاورات مع روسيا وإيران لتمكينها من استخدام المجال الجوي السوري، وقال: إن زيارة رئيس الأركان التركي إلى موسكو تأتي في إطار مشاورات مع روسيا وإيران الداعمَتين الرئيسيتين لبشار الأسد، للسماح لطائرات تركية بالمشاركة في حملة عفرين

الموقف الإيراني

بالرغم من أن تركيا عملت مع إيران بشكل وثيق لإحباط نتائج استفتاء إقليم شمال العراق بشكل ناجح إلا أن إيران التي تحتفظ بتواجد في مناطق قريبة من عفرين دعت إلى إنهاء العملية العسكرية بحجة أن ذلك قد يؤدي لتقوية الجماعات الإرهابية.

وقد قال حسين جابر أنصاري، مساعد وزير الخارجية الإيراني: إن كلًّا من الدول الضامنة لوقف إطلاق النار عليها ألا تُقدِم على خطوة من هذا القبيل حتى لا يتأثر مؤتمر سوتشي في 29 و30 يناير/كانون الثاني 2018، ومن جهته أيضًا، دعا رئيس الأركان الإيراني، في اتصال مع نظيره التركي، إلى تأكيد تركيا على احترام وحدة الأراضي السورية وأنها ليس لها أطماع في سوريا

وهو ما أكدته تركيا بشكل واضح، حيث لم يعتبر الأتراك، الذين حرصوا على التنسيق المكثف مع إيران، موقف الأخيرة موقفًا معارضًا بل اعتبروه أيضًا موقفًا متفهمًا للخطوة التركية

وعند هذه النقطة تحديدًا، فإن طهران التي لديها مخاوف مشتركة من مشروع كيان كردي لا تريد بالتأكيد للنفوذ التركي -الذي تعرف موقفه من نظام بشار الأسد- أن يتزايد في شمال سوريا على حسابها، وتريد طهران أن تبقى صاحبة كلمة من خلال العمل مع موسكو ودمشق، ولكن إدراكها أنها مستهدفة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة قد جعلها تُبدي مرونة وربما يكون هناك تنسيق لاستخدام الأراضي التي تهيمن عليها قوى تابعة لها في العمليات.

موقف النظام السوري

بالرغم من حرص تركيا على التنسيق، ولو بشكل غير مباشر، مع دمشق وتأكيدها على احترامها لوحدة الرأي السورية، وصفت الخارجية السورية العملية التركية بأنها "تمثِّل الخطوة الأحدث في الاعتداءات التركية على السيادة السورية"، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقفه، حيث أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن "تركيا أبلغت النظام عبر مذكرة مكتوبة بعملية عفرين".

وعلى الأرجح، وصلت هذه المذكرة عبر روسيا لكن مصادر مقربة من النظام نفت ذلك، ومن الواضح أن النظام أضعف من أن يعارض الموقف الروسي ولكن موقفه الحالي قد يتيح له حرية التحرك في أكثر من اتجاه لاحقًا.

وبالفعل، تقدم النظام في أكثر من بلدة قبل وأثناء العملية التركية، ومن هذه الأماكن: مطار أبو الظهور العسكري الذي يبعد 50 كيلومترًا عن إدلب.

وأكّد التقرير أن العملية العسكرية التركية تسير في إطار سيناريوهين محتملين، أولهما: أن تكون العملية مركزة تستهدف تدمير البنية التحتية لوحدات الحماية وقصيرة تستهدف إنشاء منطقة عازلة بعمق 20 إلى 25 كيلومترًا داخل الحدود السورية.

أما السيناريو الثاني، وهو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي، هو مضي تركيا في عملية شاملة متدرجة تصل بالنهاية إلى سيطرة كاملة على عفرين وهذه العملية لن تكون عملية سريعة.

وأشار التقرير إلى أن سيطرة تركيا على عفرين ستثبِّت قدمها ودورها أكثر على طاولة المباحثات كما ستقود توجهها نحو منبج والذي سيكون التحدي فيه هو الموقف الأميركي وليس التحدي الميداني، والذي من المحتمل أن يكون أكثر حزمًا، وخاصة لمنع تركيا من التوجه إلى مناطق شرق الفرات التي تحتوي مواقع عسكرية أميركية. وهنا، فإن الكرة في ملعب واشنطن؛ فهل ستقوم بالتفاهم مع تركيا بعد عفرين أم ستترك تركيا تتجه بشكل أكبر نحو روسيا؟

وأضاف: ما زالت دول تركيا وروسيا وإيران ملتزمة بمسار آستانا-سوتشي الذي أصبح يتقدم بشكل أكبر على الأرض والذي تعتبر عملية عفرين نتاجًا للتنسيق بين أطرافه، ويمكن القول: إن نتائج الاجتماع القادم في سوتشي مهمة جدًّا في تحديد ملامح مرحلة ما بعد عملية عفرين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!