حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

تنفذ تركيا خلال المرحلة الراهنة عملية عسكرية مهمة وناجحة جداً في سوريا، وبذلك تتخذ أكثر الخطوات أهمية في سبيل الوقوف في وجه الإرهاب، وتتبع المنطق السياسي بشكل جيد مما يكرس لها فرصة تحقيق إنجازات كبيرة في هذا الصدد.

تركيا لا تسعى خلف أحلام واهية، بل تدرك الهدف جيداً وتبذل شتى جهودها للقضاء على المخاطر التي تهدد أمنها القومي، وذلك من أجل الوصول إلى الحكم الذاتي والاستقلال التام عن النظام الدولي والدول الأخرى، وتدرك وجود ممر إرهابي يمتد على حدودها مع سوريا وبالتالي تأخذ تدابيرها حيال ذلك، وتستطيع التمييز بين الصديق والعدو، إذ لا تحاول اتخاذ صديق من برازاني، وتحافظ على الحواجز السياسية في علاقاتها مع أمريكا، ولا تضيع وقتها بالعروض والحملات الدعائية إنّما تستخدم أدوات السياسة الحقيقية وتبادر باستخدام القوة العسكرية عند الشعور بضرورة استخدامها، كما لا تلجأ إلى أسلوب التهديد لأنها تدرك جيداً ما يجب فعله للحصول على نتائج ملموسة.

لا أحد يحاول إظهار نفسه للتقدم على الآخر، آلية الدولة تواصل عملها بشكل مثالي، المؤسسات الحكومية تؤدي واجباتها على أكمل وجه، لا توجد أي أساليب تهديد أو مبالغة في الأقوال، تم إجراء كافة المباحثات الدبلوماسية وإقناع روسيا وإبعاد أمريكا عن مجرى الأحداث، نفذت تركيا كل ما قالته وأرسلت قواتها إلى الساحة لتبدأ عملية عفرين العسكرية.

ربما الأهم من كل ذلك هو أن تركيا استطاعت استخدام جميع الأدوات اللازمة للوصول إلى غايتها من خلال عملية عفرين، إذ اعتمدت على قدراتها وإمكاناتها الشخصية بدلاً من الاعتماد على أمريكا أو أي جهة أخرى، لكن ما زال هناك من لم يدرك هذه الحقيقة ويستمر بالتصرف بناء على العادات القديمة، ولا يجيد التفرقة بين دبلوماسية الجمهور والسياسة، ويستخدم مفهوم دبلوماسية الجمهور بدلاً من اتباع السياسة الحقيقية، وذلك يشير إلى نوع من المرض الناتج عن الجهل حيال القوانين السياسية المتّبعة منذ مئات السنين إلى الآن، ويزعم أنه يجب على الحكومة التركية أن لا تهمل دبلوماسية الجمهور، مشيراً إلى ذلك بقوله: "طريقة إدراك الجمهور للمسألة هي أمر مهم أيضاً"، لكنه لا يدرك أن مثل هذه العبارات ليست إلا كلام فارغ لا يأتي بأي نتيجة ملموسة، يجب أن نفهم أن الإدراك لا يجدي بأي نفع إنما علينا أن نلتفت للواقع، على سبيل المثال لا يمكن لتركيا التباهي بنتائج عملية عفرين دون تنفيذ العملية، أي إن محاولة أي شخص للتباهي بشيء لم يقم به فذلك سيجعله موضع سخرية لدى الجميع،  والأهم من ذلك هو أنه سيؤدي لدخول دولته في ورطة جديدة، وسيجعل الجميع أعداء لدولته.

ما الضعف الذي قد يجر الإنسان ليعتقد أن السياسة عبارة عن حملة دعائية؟ هناك من يستخدم هذا الأسلوب على الرغم من أن تركيا تثبت العكس تماماً في كل يوم، لكن من الجيد أنه لم يبق أحد ليصدق هذه الفبركات.

لحسن الحظ أن تركيا لا تضيع وقتها في هذه المزاعم بل تبادر في القضاء على المخاطر التي تهدد أمنها القومي بكل واقعية، إذ أدركت أنه يمكن لأي ممر في سوريا أن يتحول إلى دولة إرهابية، وبدأت بإعداد قواتها نظراً إلى أن مكافحة الإرهاب هو عمل يحتاج إلى استخدام القوة العسكرية إلى جانب السياسة، كما كانت مراعية لدبلوماسية الجمهور أيضاً إلى حد ما ولكن دون أي مبالغة في الأمر، حتى إنها أردات أن توصل رسالة سلام وأمان من خلال اختيار اسم "غصن الزيتون" لعملية عفرين العسكرية، وأشارت إلى أن القوات التركية لا تسعى إلى احتلال الأراضي السورية، وأنها تتدخل في سوريا بهدف مكافحة المنظمات الإرهابية فقط، هذه هي كل المسألة وليس أكثر من ذلك.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس