ماركوس بيرنات وميكائيل فوساتكا - موقع دير شتاندارد - ترجمة وتحرير ترك برس

تسعى وزيرة الخارجية النمساوية، كارين كنايسل، ونظيرها التركي، مولود جاويش أوغلو، لإرسال إشارات إيجابية بشأن تجاوز التوترات القائمة بين البلدين. تساءل مولود جاويش أوغلو أمام نظيرته النمساوية: "هل يمكنني فتح هذا؟" في حركة نادرة أظهر خلالها وزير الخارجية التركي جرأته ولباقته في خضم هذه الأجواء الودية. ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، وحمل في يده نسخة من معاهدة باساروفجا، التي تم توقيعها سنة 1718 لتحقيق السلام بين الإمبراطورية العثمانية وإمبراطورية هابسبورغ النمساوية.

كانت تلك هي الهدية المقدمة لكارين كنايسل، كرمز للصفحة الجديدة التي تريد وزيرة الخارجية النمساوية الجديدة فتحها، بعد سلسلة من التوترات والتقلبات في العلاقة بين البلدين، وها هو التغيير يبدأ هذه المرة مع معاهدة باساروفجا.

يوم الخميس، بدت الأجواء ودية جدا بين الوزيرين أثناء تواجدهما أمام عدسات الإعلام في إسطنبول. والآن، أصبح مولود جاويش أوغلو مستعدا لتغيير رأيه، بعد أن هدد قبل فترة بقطع العلاقات مع النمسا على كل المستويات، حيث قال "لم نعد نحتاج لأن نتواصل عبر البيانات الصحفية".

يأتي هذا التصريح الإيجابي بعد أن هدد جاويش أوغلو، خلال الشهر الماضي، النمسا بالانسحاب من كل العلاقات الودية التي تجمع البلدين، واصفا الاتفاق الذي توصل إليه الائتلاف الحكومي الجديد في فيينا، الذي ينص على وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بأنه خطوة قصيرة النظر تعكس التحامل على أنقرة.

في المقابل، أعلن الوزير التركي وضيفته النمساوية، في مدينة إسطنبول، مجموعة جديدة من الاتفاقات التي سوف تعيد العلاقات الثنائية بين البلدين إلى السكة الصحيحة. كما ستشهد المرحلة المقبلة المزيد من اللقاءات السياسية على كل المستويات، فضلا عن تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة، وإطلاق سنة الثقافة التركية النمساوية، واستئناف علماء الآثار عمليات التنقيب في مدينة إفسوس الإغريقية الواقعة في الأناضول.

احتفالات في أبوظبي

صرح مولود جاويش أوغلو قائلًا: "بسبب الخطوات التي أقدمت عليها النمسا سابقا، قررنا وقف أعمال الحفريات الأثرية، ولكن نحن الآن مستعدون لاستئنافها". وقد أبدت كنايسل سرورها إزاء هذه المبادرة الرمزية، علما وأنه وقع إجبار هؤلاء العلماء على إيقاف عملهم في الموقع الأثري في شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2016، وقد كان ذلك رد فعل أنقرة إزاء طلب فيينا وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

وعلى خلفية قرار استئناف أعمال التنقيب عن الآثار في مدينة إفسوس الإغريقية، عبرت مديرة معهد الآثار النمساوي ومعهد علوم الآثار الشرقية والأوروبية، سابين لاندشتاتر، عن سعادتها بهذا القرار الذي بلغها أثناء رحلة عمل في أبوظبي.

وأثناء اتصال لها مع دير شتاندارد، أكدت سابين لاندشتاتر "نحن بصدد الاحتفال الآن". كما أعلنت لاندشتاتر، التي ظلت تقوم بأبحاث أثرية في غرب تركيا لأكثر من 10 سنوات، أنها سوف تنشر بيانا صحفيا يوم الجمعة. في سياق متصل، أشارت تقارير إعلامية إلى أن عالم الآثار والمؤرخ ونائب رئيس أكاديمية العلوم النمساوية، ميكائيل ألرام، قد زار تركيا مؤخرا للتمهيد لاستئناف هذه الأبحاث الأثرية.

وفي الوقت الراهن، يريد الوزيران وضع كل الخلافات السابقة جانبا، خاصة فيما يتعلق بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فقد تحدثت كنايسل عن ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي الذي لا زال عالقا، وهو أمر واقع لا يمكن تجاهله، إلا أنه حسب رأيها لا يمكن أن يعرقل الفرص الكثيرة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن جانبه، أقر جاويش أوغلو بأنه يريد من الجانب النمساوي استخدام خطاب متزن حيال هذا الملف، بعيدا عما اعتبره "نبرة الكراهية والإسلاموفوبيا" التي سادت في فيينا خلال الفترة الماضية.

وتأتي زيارة كنايسل في سياق التغييرات الواضحة التي تشهدها العلاقات بين الحكومة التركية ونظيراتها الأوروبية. فقد بدأت تتضح معالم التقارب السياسي بين البلدين منذ شهر أو اثنين، وذلك حسب ما أكده الجانب الأوروبي. وبين ليلة وضحاها، اختفت الانتقادات والاتهامات التي كانت موجهة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناهيك عن أن الصحف التركية المقربة من الحكومة قد أوقفت فجأة حملاتها على أوروبا، التي كانت تتهمها بتوفير الملاذ للإرهابيين وأعداء تركيا.

تغيير واضح في نبرة الخطاب

يبدو أن القيادة السياسية التركية تسعى لتحسين علاقاتها مع دول معينة داخل الاتحاد الأوروبي، بعد أن دخلت سابقا في مواجهة مفتوحة معها، منذ إعلان حالة الطوارئ في تركيا في صيف 2016، وبشكل أكبر أثناء حملة الاستفتاء على التعديل الدستوري في ربيع 2017. وهذه الدول هي بالأساس ألمانيا، والنمسا وهولندا، إلى جانب بلجيكا والدنمارك.

وفي عدة مناسبات، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يلعب الآن دور الوسيط السياسي بين الأوروبيين والأتراك، على القيادة التركية عدم توقّع تغييرات كبيرة في مواقف القيادة الأوروبية في بروكسل، نظرا لأن أنقرة لم تسترجع في المقام الأول علاقاتها الإيجابية مع هذه الدول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس