ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لم يكن نجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليلمع في فضاء العالم الإسلامي قبل عام 2009 وتحديدا بعد موقفه الشهير في منتدى دافوس عندما لقن رئيس الكيان الصهيوني درسا قاسيا متهما إياه بقتل الناس والأطفال في غزة معلنا اعتراضه على سياسة الكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين، ليترك بعدها المنصة والمنتدى كله مخلفا وراءه بصمة في قلوب كل العرب والمسلمين.

حياة أردوغان المليئة بالتضحيات والكفاح وتصديه للظلم منذ نعومة أظفاره ومشواره الطويل والعظيم سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي وانحيازه للفقراء، جعل من هذا الرجل أيقونة يتمنى كل عربي ومسلم أن تتكرر في بلاده.

فلا تستغرب إن وجدت هذا الرجل يلف الولايات التركية في العام مرة أو مرتين يخاطب الناس ويقف على أوجاعهم ويسمع لهم، ولا تندهش عندما يذهب الرجل لبيت رجل من عامة الشعب ليطلب يد ابنته لشاب فقير ويتعهد بالتكفل بمصاريف الزواج ليجمع بين حبيبين، وبالتالي لا تأخذك الحيرة عندما تراه يصطحب زوجته وشريكة كفاحه ليتناول الإفطار في رمضان في بيت أحد فقراء أنقرة.

وبالتالي فإن الحديث عن استقباله 3.5 مليون لاجئ سوري وفتح مدارس بلاده ومستشفياتها وتسهيل أعمالهم وتجارتهم ليس مستغربا.

والسوريون ليسوا وحدهم من فتحت لهم أبواب تركيا، بل أصبحت تركيا في عهد أردوغان هي قلعة المضيوم وحصن المظلوم.

لا يروعك منظر زوجة أردوغان الماشية على نهجة وهي تقبل نساء الروهينجا البائسات اللائي افترشن التراب من قهر الظلم في ميانمار.

أردوغان الذي أسس حزبا في 2001 كان من أهدافه إخراج الطبقة المتوسطة من دائرة التآكل إلى دائرة الاستقرار، ومنذ وصوله للحكم في 2002 وهو يعمل على تحقيق هذا الهدف فارتفع دخل الفرد السنوي من 3500 دولار عام 2002، إلى ما يقارب 17 ألف دولار حسب إحصاءات برنامج الاقتصاد التركي لعام 2017، مع ما صاحبه من خدمات تعليمية وصحية وأمنية ورياضية وترفيهية ومواصلات تضاهي الكثير من الدول الأوروبية.

مع ذلك فإن كل هذه الانجازات تخبئ وجه أخر لأردوغان، أردوغان هو ذلك الرجل الذي لا يقبل النقد، فبشهادة إمرة أوسلو الصحفي الذي كان مقربا في وقت من الأوقات للرئيس، والذي عندما تجرأ وانتقده أصبح غير مرغوب فيه وطرد وهاجر إلى أمريكا.

وأردوغان هو الذي يتخلص من زملائه الذين شاركوه النجاحات فهو لا يقبل شريكا معه، وشاهد على ذلك عبد الله غُل وأحمد داود أوغلو، وهو ذلك المنقلب الذي أطاح بمن ساعده منذ بداياته ، فتخلص من كولن وجماعته ويطاردهم ويقطع أرزاقهم ويتعقب من هرب منهم متهما إياهم بمحاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016 ليطيح أيضا بقيادات مخلصة في الجيش ، وهو من استغل أغلبية حزبه في البرلمان ليعدل الدستور من أجل أن ينفرد بالحكم وحده، بعد أن يصبح الحكم رئاسي.

وهو الآن من يحارب الشعب الكردي ويقتل أبناءه ويحتل الدولة الجار سوريا ، هو ذلك الرجل التوسعي الذي يحلم بإمبراطورية عظمة على غرار الإمبراطورية التي صنعها أجداده، ولا يتوانى عن استخدام كل الأدوات للوصول لهدفه ، حتى لو كان تنظيم الدولة.

هذا هو الوجه الذي يصدره الإعلام الغربي الحاقد عن اردوغان ، هذا الإعلام الذي تقف خلفه حكومات وجماعات مصالح سواء في الغرب أو حتى في تركيا نفسها ، هذه العصابة التي لا تقبل أن ترى وجه مشرق للإسلام السياسي الذي يسعى لخلق حياة كريمة مشرفة تملؤها العزة والفخر بوطنه ودينه وعلمه وشعبه .

اردوغان هو من يتحرك في أصقاع الأرض من أجل أبناء بلده والحفاظ على كرامتهم وصون حقوقهم حتى في بلاد المهجر، اردوغان هو من حرك حكومته ببيان شديد اللهجة للحكومة الألمانية عندما علم أن الحكومة الألمانية تسعى لإغلاق مطاعم الشاورما التركي بحجة أنها تحتوي على نسب عالية من البوتاسيوم وبالتالي تضر الصحة، هل يعقل ذلك ؟ هل يعقل أن ينشغل رجل ببائعي الشاورما في بلد أخر ولديه من الهموم ما تنوء بالعصبة أولي القوة منها .

هذا الرجل الذي أوقف موكبه في اسطنبول حينما رأى رجل يحاول الانتحار لينقذه ، هل هذا الرجل الذي يريد الحياة لأبناء وطنه ، يقتل الأكراد ؟ !

هذا الرجل الذي (استضاف) السوريين سبع سنوات ودفع شعبه على معاملتهم معاملة جيدة بقوله: (السوريون مهاجرون وعلينا أن نكون نحن الأنصار) ، يحتل دولة جار؟!

هذا الرجل لا يحقد عليه إلا منحرف ولا يكِن له الكراهية إلا فاجر ، فأردوغان نتاج التربية الإسلامية التي أخرجت شطئها واستغلظت واستوت على سوقها،  تعجب الزراع إلا أنها تغيظ الكفار.         

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس