جمال الهواري - خاص ترك برس

المتابع لتعامل أمريكا والغرب في كل ما يخص تركيا يدرك من الوهلة الأولى مدى الحقد والتربص ومحاولة عرقلتها بشتى السبل والوسائل ويوقن أن شغلهم الشاغل هو إيقاف مسيرة التقدم والتي تخطو فيها تركيا خطوات واسعة في شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة سياسية واقتصادية وعسكرية.

سياسة الكيل بمكيالين هي الأساس في التعامل مع تركيا فما هو حلال لغيرها حرام عليها، أمريكا التي احتلت ودمرت بلدان بأكملها ونهبت ثرواتها وأرجعتها للقرون الوسطى كأفغانستان والعراق بحجة الحفاظ على أمنها القومي والتي تفصلها عن تلك البلدان بحار ومحيطات وآلاف الكيلومترات، اوروبا التي تتدخل في ليبيا وسوريا ومالي وغيرها بحجة محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي الأوروبي، تلوم تركيا على محاولاتها المستمرة الحفاظ أمن حدودها وسلامة أمنها القومي واستقرارها الداخلي ومصادر التهديد ملاصقة لحدودها من تنظيمات صنفتها تركيا و أمريكا والإتحاد الأوروبي"حليف أمريكا"، فمن المعروف للجميع أن تنظيم"PYD" الإرهابي في مناطق شمالي سوريا هو امتداد لتنظيم "PKK" الإرهابي صاحب الأيديولوجية الماركسية والإنفصالية والذي تسببت عملياته الإرهابية داخل تركيا في سقوط عشرات آلاف الضحايا من المدنيين خلال الثلاثة عقود الأخيرة، وهذا يجعل من الواجب والمحتم على الدولة التركية العمل على القضاء عليه واستئصاله للحفاظ على استقرار تركيا وأمنها القومي.

أمريكا والغرب كانوا وما زالوا يحاولون إيقاف مسيرة التقدم التركية واختلاق المشاكل وافتعال الأزمات من أجل عرقلتها، لأنه وباختصار يرى في تعاظم وتنامي القدرات التركية خطراً محدقاً على مشاريعهم الإستعمارية القائمة على استنزاف ثروات ومقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها ومساندة الطغاة ودعهمهم بكافة الوسائل للبقاء في سدة الحكم وتنفيذ متطلبات ومساعي أمريكا والغرب والصهاينة على حساب شعوبهم المقهورة.

الغرب لا يخفي حقده على تركيا التي أصبحت أراضيها مأوى وملاذ وقبلة لكل مظلوم ومقهور وفار من وجه الأنظمة القمعية والديكتاتورية والتي تدعمها وتمنحها أسباب البقاء الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني إما علانيةً أو من تحت الطاولة، تركيا التي تمد يد المساعدة لكل محتاج من شرق أسيا وحتى قلب أفريقيا مروراً بالمنطقة العربية، فتجد على أراضيها الفلسطيني والعراقي والمصري والليبي واليمني ومن كافة بقاع الأرض، تحتضنهم وترعاهم بدافع الإخوة في الدين والإنسانية دون مكاسب تذكر على العكس تدفع تركيا ثمناً باهظاً لمواقفها الإنسانية والسياسية فاللاجئين بالملايين وتعادي بعض الأنظمة الحكومة التركية لأنها قامت باستقبالهم على أراضيها، ودفعت مواقف تركيا الصلبة والمساندة للقضية الفلسطينية والقدس بصفة الخاصة أمريكا والغرب والكيان الصهيوني لحافة الجنون فانطلقوا لمهاجمتها إعلامياً ومحاولة الضغط عليها سياسياً بشتى الطرق والوسائل.

ونأتي إلى الجزء الأهم والأخطر ومصدر التهديد المباشر للإستقرار والأمن القومي في تركيا وهي التنظيمات الإنفصالية والإرهابية والتي نصبت نفسها زوراً وبهتاناً كمتحدثين بإسم الأكراد، ثم إعلان أمريكا عن إنشاء ودعم قوة قوامها 30 ألف مقاتل على الحدود التركية السورية تحت مسمى "قوة أمن حدود سوريا" بالتنسيق مع تنظيم "PYD" الإرهابي بحجج باطلة مثل الحفاظ على أمن الحدود ومحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي الذي اختفى أو كاد من على الساحة السورية، وثبت بالدلائل أن هذه الميليشيات ورغم اختلاف أسمائها تتبني نفس الأيديولوجية فما أن تسيطر على منطقة ما إلا وسارعت برفع صور "أوجلان" مؤسس وزعيم ميليشيات "PKK" الإرهابية، بل أن معظم قيادات ما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية هم أعضاء في الPKK وبشهادة مراكز بحثية أمريكية وتتصرف بنفس الطريقة الإجرامية والإرهابية لتنظيم "داعش" تعادي وتكفر كل المخالفين وتستهدفهم.

ارتكبت تلك التنظيمات من الجرائم والمجازر ما تقشعر له الأبدان ولم يسلم منها لا عربي ولا تركي ولا تركماني وحتى الأكراد فكل من يقف في وجههم ويخالفهم فهو عدو لهم مهما كان دينه أو عرقه أو طائفته، وهو الأمر الذي أدى إلى ضرورة التدخل بصورة عاجلة والبدء بعملية عسكرية داخل الأراضي السورية أطلق عليها "غصن الزيتون" في منطقة عفرين وربما تمتد إلى منبج لتحرير المنطقة من تلك الميليشيات الإرهابية والعمل على إقامة منطقة آمنة وعودة اللاجئين السوريين المهجرين إلى أراضيهم.

حققت العملية منذ انطلاقها مكاسب بالجملة وقدمت للعالم نموذجاً رائعاً في كيفية تحقيق الأهداف العسكرية والجيوسياسية مع مراعاة الحفاظ على أرواح المدنيين والأبرياء، وهو الأمر الذي أثار جنون أمريكا وحلفائها فقد أثبت الجيش التركي وببراعة القدرة على تحقيق الأهداف المرسومة له دون الحاجة للقصف العشوائي والتدمير الغير المبرر للمنشآت والمباني والتجمعات السكانية كما تفعل باقي القوى المتحاربة على الأراضي السورية والتي لا تقيم وزناً ولا أهمية للمدنيين والأبرياء وتقوم بقصف المناطق السورية واستهدافها بعشوائية ودون تمييز.

دائماً ما تحاول وسائل الإعلام الغربية المدفوعة من قبل أمريكا وحلفائها الأوروبيين والصهاينة تصوير التدخل التركي في سوريا على أنها حرب ضد الأكراد بصفة عامة وتصوير الأمر على أنه صراع تركي-كردي وهذا مناف للحقيقة ولا يمت للواقع بصلة، أمريكا وحلفائها وأذرعهم الإعلامية في الشرق والغرب يحاولون بشتى الطرق والوسائل طمس حقيقة الأمر، ويتجاهلون ذكر أن الأكراد هم أحد مكونات الشعب التركي ويتمتعون بكامل حقوق المواطنة مثلهم مثل غيرهم من باقي مكونات الجمهورية التركية "أتراك وعرب وقوقاز وأذريين وفرس ويونان وأرمن".

وكان تصويت الأكراد عاملاً حاسماً في نجاح الإستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة في تركيا والتي تهدف لتحولها إلى النظام الرئاسي وهو ما أثبت أن الأكراد متيقنين أنهم مواطنين ينتمون لتركيا ويتمتعون بكامل حقوق المواطنة، دائماً ما يتجاهل الإعلام الغربي ذكر أن هناك المئات إن لم يكن الآلاف من المقاتلين الأكراد في مختلف فصائل الجيش السوري الحر ويقاتلون بجانب الجيش التركي، أمريكا والغرب يحركهم الحقد الدفين على تركيا بالدفع في اتجاه أن الصراع هو تركي- كردي وليس صراع دولة ذات سيادة مع كيانات وعصابات إرهابية إنفصالية يستعملها الغرب والصهاينة كمخلب قط لتفتيت الدولة التركية والعمل على إيقاف مسيرة تقدمها واستقلالية قرارها ومصدر تخريب وتهديد لها ولأمنها القومي.

أمريكا والغرب ينظرون بعين الحقد والحسد على تركيا التى أصبحت في عهد أردوغان وحزب العدالة والتنمية قوة سياسية واقتصادية وعسكرية يحسب لها الجميع ألف حساب، وتحولت إلى قبلة ووجهة تنظر إليها الشعوب العربية والإسلامية نظرة الثقة والأمل كلما ألمت بها ضائقة أو احتاجت إلى المساعدة ولم تتوان تركيا أبداً عن تقديمها بدون تردد ومهما كانت الظروف.

لقد أصبحت تركيا وأردوغان بمثابة الكابوس المزعج لكل الأنظمة التي تحاول تفتيت المنطقة على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، تركيا وأردوغان قدمت النموذج الناجح للديمقراطية والمساواة والحرية والعدالة الإجتماعية وأثبتت لأمريكا والغرب والصهاينة أنه كما قاد العثمانيين العالم لقرون طويلة فتركيا الحديثة بمقدروها تقديم نموذج عصري يستطيع مقارعة العالم الغربي بل ويتفوق عليه دون التخلي عن جذور تركيا التاريخية وهويتها الدينية وانتمائها للأمة الإسلامية

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس