عبد الله الشيخ ديب - خاص ترك برس

انتشرت حديثًا بعض مقاطع الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مقاتلين ملثمي الوجوه مدججين بالسلاح يتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة، يبثون فيها رسائل التهديد والوعيد بالقتل والقتال، هذه المقاطع التي باتت مألوفة جدًا للمُشاهد العربي في أوج صعود التنظيمات الإرهابيّة، لكن الجديد في هذه الفيديوهات أنها لم تصدر عن المكتب الإعلامي لتنظيم داعش أو القاعدة، بل من مقاتلين أوروبيين متطوعين داخل تنظيم بي كي كي الإرهابي في مدينة عفرين، بصيغة أخرى، "مهاجرون" قرروا ترك بلدانهم والدخول في حرب مسلحة ضد الشعب السوري وضد تركيا (العضو في حلف الناتو)، نُصرة لمشروع إقامة "الدولة الكردية".

وهنا تظهر المفارقة في تعامل الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة مع هؤلاء الإرهابيين العابرين للحدود والذين ينضمون لتنظيم مصنف على قوائم الإرهاب ويستخدمون العنف والإرهاب ضد الأفراد والدول، لإقامة دولة مزعومة، وطريقة التعامل التي قامت بها ذات الدول في التعامل مع مواطنيها الذين تطوعوا للقتال في صفوف تنظيم داعش الإرهابي، إذ شاهدنا جميعًا الجهود التي بذلتها قوات التحالف الدولي في رصد وتصيد هذه العناصر وتحييدها، وحجم الأموال والذخائر التي أنفقت في سبيل ذلك.

هذا التمييز الذي يصل حد التوطؤ في التعامل مع الإرهاب والإرهابيين يضع مصداقية جميع الدول التي تزعم الحرب ضده على المحك، ذلك أن الأعمال والممارسات التي تقوم بها العناصر الأوروبية المقاتلة داخل تنظيم "بي كي كي" المصنف إرهابيًا مطابقة تماماً لما يقوم به أشقائهم الأوروبيين في تنظيم داعش، ما يجب قوله هنا أن استمرار هذه الازدواجية في التعامل مع هذا الملف الحساس، يعيد التأكيد على ضرورة فتح النقاش مجددً حوله، ووضع تعريف ومحددات واضحة: ما هو الإرهاب وما هي مكافحته؟ ومن هم الإرهابيون؟

لم أوفق حتى لحظة كتابة هذا المقال، في الوصول إلى إحصائيات ومعلومات دقيقة حول المقاتلين الأجانب في عفرين (أعدادهم وجنسياتهم وأعمارهم)، كما كنت أجد تقارير تفصيلية عن مقاتلي داعش، إذ يبدو أن هؤلاء الإرهابيين لا يشكلون قلقًا للدول الأوروبيّة التي ينتمون إليها، ولا يثيرون شهية مراكز الأبحاث ومجتمع المخابرات في تصيّد هؤلاء الإرهابيين وتحييدهم!

لكن ومع استمرار عملية "غصن الزيتون" التي تقودها تركيا بالشراكة مع فصائل الجيش السوري الحر، والتقدم الملحوظ الذي تحرزه هذه القوات، يمكن القول أنه وفي مرحلة ما من عُمر هذه العمليّة قد نسمع عن سقوط قتلى من المقاتلين الأوروبيين في صفوف تنظيم بي كا كا، وهو ما يحتم على الدول الغربية اتخاذ خطوات سريعة وفعّالة والتصرف بمسؤولية عاليّة أمام هذا المأزق، عبر القيام بإجراءات ملموسة لسحب مواطنيها ومحاكمتهم بتهمة الإرهاب قبل أن يسقطوا قتلى بأيدي الجيش التركي أو فصائل الثورة السورية، إذ إن عدم التعاطي السريع والمسؤول مع هذه المسألة قد يخلق أزمة دبلوماسية حادة لاحقًا بين أوروبا وتركيا، وهي علاقة لا تمر بأفضل أيامها بطبيعة الحال.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس