ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

يبدو أن اليوم الذي بدأ فيه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون جولته الشرق أوسطية لم يكن يوم حظه ، فالجولة التي بدأها من القاهرة والتي مكث فيها يومين ليزور بعدها الأردن بهدف تغيير موقف ملكها من قرارات أمريكا بشأن القدس، وهو ما لم يحرزه،  ليغادر بعدها إلى الكويت تزامنا مع مؤتمر المانحين لإعمار العراق والتي طمح منها جني مزيد من فرص الاستثمارات لبلاده بأموال الخليج، وهو أيضا ما لا يمكن تأكيده ، ليخرج من الكويت إلى لبنان ليصدم بما لم يعهده وزراء الخارجية الأمريكيين من العرب على مدى تاريخهم ، حيث انتظر وحيدا في بعبدا انتظارا للرئيس اللبناني في مشهد رآه البعض مذلا لوزير خارجية الدولة الأكبر في العالم، وأضيف للمشهد حالة الغضب التي قوبل بها لمحاولة فرض واقع تريده أمريكا فقوبل بطلبات بمنع الاحتلال، المدلل لدي أمريكا، من التحرش بلبنان.  

وكانت ذروة المشهد الذي بدأ سيئاً على تيلرسون في منطقة بشتبيه بأنقرة، حيث مقر الرئاسة التركية الجديد، والذي التقى فيه الرئيس اردوغان في اجتماع مغلق ، لم يكن كما يرغب ، فتيلرسون الذي وصل أنقرة حاملا بعض المطالب للتخفيف عن حليفه الجديد في سوريا، مستنكرا عملية غصن الزيتون التركية في شمال سوريا ، والتي تحقق تقدما كبيرا في أهدافها المنحصرة في إبعاد شبح المليشيات الإرهابية عن حدود تركيا ، والتي كشفت عن وجهها القبيح بقصف المدن الحدودية التركية ، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين منهم من مات في المسجد وهو يصلي صلاة المغرب، في حالة إجرامية لا تصدر إلا عن جماعة إرهابية لا أخلاق لها .

زيارة تيلرسون لانقرة سبقها حالة من الغضب المعلن من كافة مستويات الإدارة التركية لم تُخفها القيادة عن الإعلام ، ومصدر هذا الغضب هو الدعم الأمريكي اللا محدود للمليشيات الانفصالية الكردية في سوريا ومن قبلها المليشيات الكردية التركية، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي التركي ، وهو ما دفع الرئيس اردوغان إلى التصريح بأنه لن يسمح به مهما كلف الأمر.

ثلاث ساعات كانت كافية أن يفرغ الرئيس اردوغان شحنات الغضب تجاه السياسة الأمريكية في سوريا، والتي تضر بمصالح حلفائها ، والتي يمكن ان تسطر فصلا جديدا من العلاقات إن هي استمرت بهذا النهج الغير مدروس .

ومع طول لقاء الرئيس التركي مع وزير الخارجية الأمريكي إلا أن الأخير لم يدلى للصحفيين بعد الاجتماع بما يزد عن الثلاث كلمات (ما زال لدينا عمل) .

وجاء المؤتمر الصحفي الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي بنظيره التركي محاولة من تيلرسون لإطفاء غضب تركيا للخروج بأقل خسائر من هذه الزيارة .

إلا أن القضايا العالقة بين البلدين والمتمثلة في قضية تسليح الانفصاليين الأكراد في سوريا و جماعتهم الأم بي كا كا ، وما انعكس بالنتيجة على تمدد هذه المليشيات غرب الفرات ومن ثم إنشاء قواعد لتلك المليشيا والتي هددت ما يقارب 65% من الحدود التركية ، و قضية تنصل الولايات المتحدة من واجباتها في حلف الناتو تجاه تركيا، وما صحبه من إنشائها قواعد جوية في الحسكة وعين العرب وهو ما قرأته تركيا على انه محاولة من أمريكا للاستغناء عن خدماتها، وقضية زعيم التنظيم الموازي فتح الله جولن ، وكذا القضية المفتعلة لتوريط الرئيس التركي في أزمة هلك بنك ، لم تحسم ولم ينتظر أن تحسم في زيارة .

 ومع ذلك فإن زيارة تليرسون صاحبها بعض التفاؤل الحذر من قبل أنقرة بعدما اقترح تشكيل لجنة مشتركة تضم الخارجية والدفاع والمخابرات في كلا البلدين للنظر في القضايا العالقة ، وإن كانت المؤشرات تذهب إلى تغير في السياسة الأمريكية بعد أنباء عن إقالة نائب وزير الخارجية مايكل راتني والذي يحاول البيت الأبيض تحميله التعقيدات التي وصلت إليها منطقة الشرق الأوسط، كما أن أنباء تعيين ديفيد شينكر مبعوثا رئاسيا خاصا لسوريا يراها البعض قفزة كبيرة نحو تغيير السياسة الأمريكية قد تنعكس على العلاقات الأمريكية - التركية على الأقل في سوريا.

لكن حتى يحدث ذلك ، فإن تيلرسون بالطبع خرج غير راض عن زيارته لبشتبيه ، ليس مما سمعه من الرئيس التركي وإدارته، بقدر استيائه من سياسة إدارته المتخبطة التي تفتقد البوصلة تجاه قضايا محورية في العالم .

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس