ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

قبل ثلاث سنوات شاهد العالم مجموعة من الرجال والنساء في مدينة كوباني السورية مسلحين ببنادق الكلاشنيكوف فقط، وقد استطاعوا أن يوقفوا جيشا هائلا من مقاتلي تنظيم الدولة المزودين بالدبابات والمدفعية والتفوق اللوجستي الساحق.

كان منطلق المدافعين عن المدينة هو الذود عن قيم الديمقراطية والحرية، ولما استطاعوا رد ذلك التنظيم الذي أراد أن يبيدهم ويبيد قيم الحرية، أشاد  بهم العالم ذلك لأن المعركة كانت مواجهة واضحة بين الخير والشر.

اليوم؛ يعيد التاريخ نفسه في عفرين حيث تقف هذه المجموعة لتدافع عن قيم الحرية التي تجلت في إيواء آلاف اللاجئين العرب في أحضان مروجها الخضراء وبلداتها الآمنة. لكن الغريب الآن موقف العالم من تلك الهجمة التي تقودها تركيا على سكان عفرين من أجل أطماع توسعية وأحلام قديمة تستغل فيها تركيا حالة الرخاوة التي تعيشها سوريا. فتركيا تعيد سيناريو تنظيم الدولة لوأد الديمقراطية مستخدمة طائراتها الـF16  ودباباتها والميلشيات الإسلامية، فيما لا تتوانى عن قصف القرويين الآمنين بالنابلم من أجل تطهير عفرين من سكانها الأصليين.

لا عجب أن يروّج الإعلام الغربي لعملية غصن الزيتون التي تدعم تركيا فيها الجيش السوري الحر، فذلك الإعلام الموجة والذي يراد به تشكيل وعي المواطن في الغرب، لا يعدم حيلة لقلب الحقائق وترويج الأكاذيب، فما نقلته في السطور السابقة عن مقال طويل لجريدة الجاردين البريطانية هو قطرة في بحر الأكاذيب التي يغمر بها الإعلام الغربي عقلية المواطن في بلاده لا لشيء سوى زرع الكراهية في صدور المواطن الغربي تجاه القيادة التركية وإظهارها على أنها قوة شر جديدة تنمو على حدودها.

تصريحات المسؤولين الأتراك سواء العسكريين أو السياسيين يؤكدها الواقع المشهود في عملية غصن الزيتون، فسير العمليات العسكرية ببطء و ما تتكبده عناصر الجيش الحر والقوات التركية الداعمة من خسائر في الأفراد يؤكد حرص القيادة التركية على عدم المساس أو على الأقل تقليل الخسائر بين المدنيين على الرغم من اتخاذ الجماعات الإرهابية من مليشيا YPD  و PKK  الأهالي دروعا بشرية وهو ما يجعل القتال من مسافة صفر وتحييد الطائرات والمدفعية في قتال القرى من أجل الحفاظ على سلامة الأهالي. كما أن فكرة الاحتلال التي يروّج لها الغرب من خلال إعلامه أو حتى مسؤوليه شبه الرسميين فكرة سخيفة في القرن الحادي والعشرين لم تبق إلا في عقول المستعمرين القدامى. فكرة نفاها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة في خطاباته ويؤكدها ما تقوم به الآن فرق سلاح المهندسين الأتراك بمساعدة مهندسي الجيش السوري الحر من تفكيك أعداء الحياة من قنابل وألغام لن يتضرر منها إلا الأهالي.

فعودة السوريين هو هدف رئيسي من أهداف غصن الزيتون، وهو حلم السوري الذي عول كثيرا على الغرب في تحقيقه ولم يلق منه إلا الوعود الفارغة التي يصدقها عمل، ولو حتى على شكل دعم مالي لهم لدولة اللجوء التي استوعبتهم على مدى سبع سنوات. كما أن فكرة المناطق الآمنة التي تبنتها تركيا ونادت بها على مدى سنوات الثورة لم تجد لها صدى لدى الغرب الذي لا ينظر للأزمة إلا من منظور نفعي بحت،... ماذا سأجنى من إبقاء طائراتي تحمي المدنيين في سوريا، فلا بترول ولا يورانيوم؟

لكن فوبيا تركيا التي تهدد أطماعكم برعايتها للإنسانية بقيمها المستمدة أولا من دينها الإسلامي ثم من مبادئ الإنسانية تزرع الرعب في قلوبكم بتمددها الأخلاقي وكشفها لقبح باطنكم الذي تحاولون أن تخفوه بمساحيق الحديث عن الإنسانية وحقوقها، وإصراركم على عدم دخول تركيا للاتحاد الأوروبي والمدعوم من أمريكا ما هو ترسيخ لهذا الخوف من انكشاف زيف مبادئكم أمام شعوبكم.

لن تكون تركيا قوة احتلال في يوم من الأيام، حتى في أيام الخلافة العثمانية، فالشعوب التي حكمت من الأستانة لم تنظر أبدًا للوالي العثماني بأنه محتل كما تحاولون أن تروجوا الآن وتصفون حكام تركيا بأنهم (العثمانيون الجدد) ففكرة الوحدة التي عملتم عليها منذ قرن من الزمن عرفها المسلمون منذ ألف عام، فحديثكم مكشوف ونيتكم مفضوحة وقبحكم ظاهر ودسائسكم مكشوفة، وإرادتنا للوحدة متينة وإن أخرتموها بحيلكم فبعزمنا سنحققها.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس