ترك برس

في ظل الجدال الأخير حول المرأة في تركيا، والذي تسبب به مقطع مصور لعالم إسلامي تركي، يعود إلى عام 2007، وما أعقبه ذلك من حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن وجوب "تحديث" بعض الأحكام في الإسلام، وردود الفعل الغاضبة والمتفهمة لهذه التصريحات، تساءلت صحيفة "عربي 21" عن سبب عدم تطبيق أردوغان لأحكام الشريعة الإسلامية في بلاده، وطرحت هذا السؤال على عدد من الخبراء والمراقبين.

يأتي ذلك بعد أن أثارت تصريحات أردوغان، التي قال فيها: "يدلي بعض رجال الدين بتصريحات، ويصدرون فتاوى حول المرأة لا مكان لها في ديننا. إنهم لا يعيشون في عصرنا، وإنما في عالم آخر، هم عاجزون لدرجة أنهم لا يعلمون بأن الإسلام يحتاج للتحديث"، ردود أفعال متباينة بين منتقد ومؤيد ومتفهم.

وأوضح أردوغان أنه "لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرنا، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف، وهنا يكمن جمال الإسلام"، ليعقبه توضيح من المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن أردوغان كان يقصد بذلك قاعدة "تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان" مع التحفظ على قدسية النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وعدم المساس بها.

ودافع مؤيدو الرئيس عن تصريحاته تلك بما قاله هو نفسه في تصريحات تالية جاء فيها: أن "قاعدة تغير الأحكام (الفقهية وليست النصية) بتغير الأزمان لا يمكن نكرانها"، مع تأكيده على أن "نصوص القرآن وأحكامه لم ولن تتغير".

وبحسب تقرير "عربي 21"، فإن الكثيرين من منتقدي أردوغان وجدوا في تصريحاته تلك دليلاً جديداً على إثبات نهجه العلماني في إدارة الدولة، وأن الرجل لا يسعى عبر الدولة التي يتربع على كرسي رئاستها إلى تطبيق الشريعة، وهو إذ يفعل ما ينسجم تماما مع قناعاته ورؤيته.

في هذا السياق، لفت رئيس قسم الشرق الأوسط في وقف المعارف التركية، جلال الدين ضوران، إلى أن "التصريحات الأخيرة للرئيس أردوغان بشأن تحديث الأحكام الشرعية تزامنت مع نشر مقطع للشيخ نور الدين يلدز يعود تاريخه إلى عام 2007، يتحدث فيه عن ضرب المرأة، وعن الحالات التي يمكن ضربها، ومقدار هذا الضرب".

وأوضح ضوران أنه عقب تداول هذا الفيديو مؤخرا بدأت حملة شعواء من المؤسسات الإعلامية العلمانية والليبرالية وبعض مؤسسات حقوق المرأة ضد الشيخ نور الدين يلدز، مشيراً إلى أن "إثارة هذا النقاش، وتحوله إلى مسألة رأي عام بعد إعادة نشر المقطع من أطراف معينة، يثير أسئلة كبيرة حول نية وقصد الجهة التي قامت بهذا الأمر".

ووفقا لـ ضوران، فإن "ما يجب التركيز عليه الآن هو: تحديد الجهة التي قامت بإعادة نشر المقطع الآن، وأرادوا بذلك تحويل المسألة إلى قضية رأي عام في تركيا"، متسائلا: "لماذا قاموا بهذا الأمر الآن"؟، مبيناً أن "الأطراف الليبرالية هدفت من وراء ذلك إلى أمرين: أولهما إحراج الرئيس أردوغان أمام الإعلام، وإجباره على خيارين أحلاهما مر، فإن قال: لا، هذا ليس هو حكم القرآن، فإن جوابه سيعني رد الأحكام الشرعية، وهو ما سيحدث مشاكل بين الرئيس ومختلف الأوساط الإسلامية".

"أما إن قال أردوغان: نعم هذا الأمر من عند الله، فإن الإعلام العالمي ووسائل الإعلام الليبرالية ستضغط عليه، وتتهمه بأنه يعمل على تطبيق الشريعة في تركيا"، مبينا أن "الرئيس اختار أن يُسكت الأوساط الليبرالية والعلمانية بقوله إن هذه الأحكام لا يمكن تطبيقها، مع توجيه كليات الشريعة ورئاسة الشؤون الدينية للتحرك في هذا الاتجاه"، على حد قوله.

وجوابا عن سؤال: هل الرئيس يريد تطبيق الأحكام الشرعية في تركيا؟ قال ضوران "إن حياة أردوغان السياسية خلال 30 سنة، تبين لنا من دون شك أنه يحب الإسلام ويلتزم به في حياته الخاصة"، مستدركا بقوله: "لكن تركيا ليست مستعدة الآن للدخول في نقاشات تطبيق الشريعة؛ لأن هناك الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، والتي قد تجر إلى مشاكل كبيرة".

من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن التركي، سعيد الحاج، أن "ما يمكن استخلاصه من تصريحات الرئيس أردوغان وممارساته التطبيقية أن ما يتجه إليه الحزب هو أقرب ما يكون إلى "الرؤية المقاصدية"، بمعنى الحرص على تطبيق مبادئ وقيم العدالة والحرية وحقوق الناس"، مع تبني خيار "علمانية الدولة" بأن تكون راعية لجميع مكوناتها الفكرية والسياسية، على حد سواء، دون أن تنحاز لفكر ما أو أيديولوجيا معينة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!