محمود حج علي - خاص ترك برس

مقدمة: لا شك للمتابع لمجريات الأحداث العسكرية والسياسية منذ انطلاقة عملية غصن الزيتون في يناير الماضي أن العملية قد انتهت بأٍسرع مما كان متوقعاً قبل البدء بها، واختتمت بتاريخ يحاكي انتصاراً تركياً سبقها قبل أكثر من 100 عام في جنق قلعة عندما انتصر الجيش التركي بمساندة القوات العربية عموماً والسورية خصوصاً لها، والحال يعيد نفسه بمساندة القوات العسكرية التركية للجيش السوري الحر في عفرين ضد كتائب وفصائل إرهابية احتلت الأراضي العربية وبدأت بالتوسع شرقاً في الأراضي ذات الأغلبية العربية محاولة بدعم أمريكي تشكيل حزام عازل يعزل تركيا عن محيطها العربي ومهدداً بذلك الأمن القومي التركي الذي لطالما حذرت أنقرة من أن أي عمل من هذا القبيل سيواجه بقوة.

أين التحالفات التركية:

- تتمثل الحلقة الأصعب للجانب التركي في أن هذه الميليشيات الإنفصالية تلقت دعماً علنياً من الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الإستراتيجي المفترض لتركيا والشريك الأقوى في حلف الناتو، إلا أنَّ هذا الأمر لم يجري على قدر التحالفات الإستراتيجية المفترضة، فهناك ملفات كبيرة عالقة بين البلدين كان أهمها ادعاءات تركية بدعم الولايات المتحدة لمحاولة الإنقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016، وتلاها ملفات تسليم المتهم الأول بهذه المحاولة فتح الله غولن واعتقال رضا ضراب في الولايات المتحدة وأزمة الموظفين الأمريكين المحتجزين في تركيا، أعقبها الوجود الأمريكي في مدينة منبج السورية التي تعتبرها تركيا الهدف القادم بعد عفرين، ولكن ماذا سيحصل بعد عفرين؟

ماذا تواجه تركيا:

- في الحقيقة أن الموقف الآن بالنسبة لتركيا يشبه تماماً كالرقص على صفيح ساخن، بمعنى أدق أنه حتى الآن لا يوجد حليف استراتيجي يمكن الرسم معه على اعتبار أن الشراكة التركية الروسية هي شراكة مرحلية وليست استراتيجية، وفي حين أن الولايات المتحدة التي تدعم "أعداء" تركيا في المنطقة أيضاً لا تريد خسارة قوة كتركيا في الملف السوري وخصوصاً أن الحرب في سوريا الآن آخذت المنحى الهيكلي بعد الحرب بالوكالة التي سبقتها، ومن الخطورة بمكان إدارة الحرب الهيكيلية في هذه المرحلة وذلك لسبب بسيط ألا وهو اختلاف المصالح لكل دولة من الدول الفاعلية واختلاف آلياتها وأهدافها فيها، ففي حين أن التدخل التركي لحماية الأمن القومي لها يكون التدخل الإيراني هون توسعي وديني في كثير من الأحوال، وربما هو اقتصادي في المرتبة الأولى بالنسبة للروس باعتبارها المنفذ الأخير لها على المياه الدافئة، وفي أن الولايات المتحدة تحمي مصالحا في المنطقة وتسيطر على حقول النفظ بقواعد عسكرية عديدة في الشمال السوري، واسرائيل التي تتوجس خيفة من الوجود الإيراني في الجنوب السوري، ناهيك عن الخلاف العربي العربي في المنطقة ابتداءً من الملف السوري وانتهاءً باليمن وليبيا.

المحطة الفاصلة في الحرب السورية:

- كل هذا وغيره من المعطيات تدعونا لنكون أكثر واقعية في التعامل مع الموقف، فتحول المعركة لمعركة هيكيلية تستمر باستمرار الوجود العسكري التركي الفعال في الشمال السوري والعراقي يعني أن المرحلة القادمة هي أكثر خطورة على الجميع، فتركيا مصرة على المواصلة لمنبج والرقة وسنجار حتى آخر تهديد لها، واصطدامها في ظل التحول الجذري والكبير في رجال الإدارة الأمريكية العسكريين والأمنين يدل على أن هناك صدام قادم بين الولايات المتحدة وتركيا، وبالطبع فإن المستفيدين من هذا الصدام هم الروس والإيرانييون الذي يتابعون سيرهم نحو السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، لذلك فأعتقد أن الإعلان عن بدء عملية قادمة لن يكون بالبعيد في حال لم يتم التوافق مع الجانب التركي بخصوص الملف الكردي وبطبيعة الحال فإن تركيا لم تتراجع عن أي مطلب لها في مواجهة الولايات المتحدة فهي لن تتراجع عن أهم ملف يهدد الأمن القومي التركي، وعند إقرار الصدام مع الولايات المتحدة ستدرك تركيا تماماً أن المواجهة لن تكون عسكرية مباشرة على الأرض إنما ستكون في ضرب الصالح لكلا الطرفين وبالأخص بعد الوجود التركي الآن في أفريقيا وقطر ناهيك عن طول الحدود مع سوريا والعراق، والأهم من ذلك إدارة العلاقات الروسية التركية لأنها مرتبطة بالموقف بشكل كبير، فليس من الغريب أن تتفق القوتان العظيمتان روسيا والولايات المتحدة على إزاحة تركيا وإيران من المشهد وانفرادهما بالسيطرة على الأرض، وهذا سيستعدي بالتالي ردة فعل تركية ومن حلفائها وربما ضرب المصالح الأمريكية التي تصلها القوة التركية وبالتالي فإن المنطقة مقبلة على حرب شعواء ستحرق بنارها المنطقة كلها ستكون نتيجتها إما غلبة أمريكية اسرائيلية ضدالمحور الشرقي وبالتالي استمرارية لحكم القطب الواحد، أو على الأقل "بدون خسارة" الجانب الروسي وفي هذه الحالة سيبقى لدى الولايات المتحدة مهمة توريط الروس في حرب جديدة تنهك القوة الروسية وتعيدها تحت سيطرة النظام الدولي الأمريكي، وهناك احتمال آخر يتمثل في الإتفاق على الملف السوري بين الطرفين الروسي والأمريكي وكما قلنا فإن المهمة القادمة للأمريكان ضد الروس هي توريطهم بحرب تستنفذ قوتهم وربما شبه جزيرة القرم تنتظر هذه اللحظة إذا ما تم دعمها أمريكياً.

- والسؤال الآن... أن تركيا في كل هذه الخارطة؟

تركيا اليوم تدرك تماماً أن إدارة هذه المرحلة تختلف كثيراً عن إدارة الإنتخابات والمجادلات السياسية الداخلية وستجد نفسها أمام خيارات صعبة متعددة تتطلب حكمة وذكاء عالي، وتختلف احتماليات سنذكر منها بعضاً مما قد يحدث في الفترات القادمة. فيمكن أن تتعامل مع كل من الروس والأمريكيين بنفس المنطق الذي تحكم فيه العلاقات معهم، وذلك بالتوسع في الجنوب باتجاه العمق السوري والعراقي وذلك قبل انتهاء اتفاقية لوزان واتفاقية انقرة عام 1916 والتي ربما تساندها في المحافل الدولية، وعندا سيدرك الجميع أن تركيا قوة لها مصالحا وستخرج خارج الحدود عندما تدعي الحاجة لها، وهذه المرحلة تتطلب "تنازلات" تركية في بعض النقاط، والخيار الثاني هو استمرار الحرب الدبلوماسية مع الولايات المتحدة مع استمرار الحرب العسكرية ضد الإرهابيين في الشمال السوري والعراقي ولتفادي الصدام القريب معها ربما سترجئ تركيا محطة منبج لما بعد سنجار العراقية، لأنه وحتى الآن لا أفق لاتفاق تركي أمريكي على منبج. وهناك خيار الإبقاء على القوات العسكرية الأمركية والتركية في الشمال وتحت إدارة مشتركة، وهذا مستبعد حالياً لأن الدعم العلني للأحزاب الكردية الإرهابية يستبعد عقد شراكة مع تركية حالياً وفي ظل انعدام الثقة بين الطرفين في السنوات القريبة الماضية.

رأي الكاتب:

والحقيقة أن السنوات القادمة هي مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة بأكملها فهي ستشهد وجود تركيا كقوة كبيرة ترعى مصالحها خارج الحدود وتفرض قوتها على الجتمع الدولي ويؤمن الجميع بوجود هذه القوة الجديدة، أو أن الحرب الشعواء قادمة على المنطقة سيتدخل في الجميع من أقصى الغرب لأقصى الشرق وربما تنتهي بتشكيل جديد لنظام عالمي جديد يحكم العالم، مرحلة مصاحبة لمد شعبي جديد في الشرق الأوسط وربما خارجه أيضاً.

عن الكاتب

محمود حج علي

كاتب سوري ومدرب موارد بشرية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس