محمود عثمان - الأناضول 

احتضنت مدينة فارنا البلغارية الاثنين الماضي قمة تركية أوروبية، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيسي مجلس الاتحاد الأوروبي، دونالد تاسك، والمفوضية الأوروبية جان كلود يانكر، بالإضافة لرئيس وزراء بلغاريا بويكو بوريسوف. 

تصريحات الرئيس أردوغان المتفائلة في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء، تشير إلى الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع الهام والحساس. 

صرح أردوغان قائلا : "نأمل أننا تجاوزنا مرحلة صعبة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي".

وأردف الرئيس التركي :"أتمنى أن نكون قد اتخذنا اليوم أول خطوة لبناء الثقة مجددًا بيننا وبين الاتحاد الأوروبي، ولكن القول إننا اتخذنا هذه الخطوة ليس كافيًا وإنما يجب أن تكون هناك إجراءات ملموسة". 

الكثير من الملفات الساخنة تصدرت جدول القمة التي جاءت في مرحلة شديدة الحساسية، سواء فيما يتعلق بارتفاع حدة التوتر في مناطق الصراع بالشرق الأوسط، والأزمة السورية على وجه الخصوص، أو التصعيد الأخير ضد روسيا من قبل دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية. 

أهم النقاط الرئيسية التي تناولتها القمة: 

** الشفافية والمصارحة في مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي 

يعاني الأوربيون من معضلة حقيقية في تسمية علاقاتهم بتركيا. الأوروبيون بحاجة ماسة لتركيا، كما تركيا بحاجة لأوروبا. لكن لدى الأوروبيين- بسبب الرواسب التاريخية والضغوط الشعبية- حرج حقيقي في منح تركيا عضوية تامة في الاتحاد الأوروبي. 

مقابل ذلك تضغط تركيا باتجاه تسمية هذه العلاقة، والخروج من الحالة الملتبسة. لكنها في الوقت ذاته لا ترضى بأقل من العضوية الكاملة، خصوصا وأنها تنتظر هذه العضوية منذ أربعة عقود. 

ارتفاع سقف المطالب التركية، وعجز الأوروبيين عن تلبيتها، إضافة إلى خوف الطرفين من الفراق، جعل الجميع يحيلون الأمر لعامل الزمن. 

لكن الطرف التركي بات يضيق ذرعا من الانتظار. خصوصا بعد التوسعة الأخيرة، التي ضمت دولاً لا تتقدم على تركيا بشيء سوى الانتماء الديني للنادي المسيحي. 

لسنا هنا بمعرض التفصيل في العلاقات التركية الأوروبية، لكن تركيا بقيادة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ترفض الدور التقليدي السابق الذي رسمه الغرب لها، باعتبارها تؤدي دور حائط الصد المتقدم لأوروبا في وجه المشاكل والأزمات القادمة من جهة الشرق، سواء من روسيا أو من منطقة الشرق الأوسط بؤرة الأزمات العالمية. 

تركيا بقيادة أردوغان وحزبه، تطالب بالندية في العلاقة، وهذا وإن كان له مبرراته الكثيرة من زاوية تركيا، إلا أنه محل شكوك وتمنع من قبل الأوروبيين. 

وفضلا عن امتلاك تركيا لخيارات أخرى متعددة تعطيها القدرة على التحرك والمناورة، فإن هناك شكوكا حقيقية حول ديمومة واستمرار الاتحاد الأوروبي نفسه، حيث طرح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد (بريكست) شكوكا حقيقية بهذا الاتجاه. 

وهنا لا بد من الإشارة إلى المعنويات العالية التي حصلت عليها تركيا من خلال نجاح عملياتها العسكرية، في درع الفرات وغصن الزيتون، وتقديم نموذج يكاد يكون فريدا، من حيث تحقيق الحسم العسكري مع الحفاظ على حياة المدنيين وممتلكاتهم. 

حذر أردوغان خلال قمة فارنا من أن إبقاء أوروبا لتركيا خارج سياسات توسعة الاتحاد "سيكون خطًأ فادحًا"، مضيفاً :"أن الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي سوف يبقى هدفًا استراتيجيًا لتركيا التي لن تسمح بعرقلة تحقيق هذا الهدف". 
**إعادة النظر في الاتحاد الجمركي 

بدأت العلاقات بين تركيا وأوروبا في إطار نظام الشراكة الذي كان أساساً لاتفاقية أنقرة التي وقعت بين الطرفين بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 1963 ودخلت حيز التنفيذ في الأول من ديسمبر/كانون أول 1964.

في نهاية المرحلة الانتقالية دخل الاتحاد الجمركي، الذي يشكل أهم مراحل تكامل تركيا مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ عام 1996، حيث وصل التكامل بين الأطراف مراحل متقدمة. 

كان الاتحاد الجمركي أحد المراحل نحو حصول تركيا على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، لكن بمرور الوقت تحولت شروطه الاقتصادية لصالح الأوروبيين على حساب تركيا. 

بدأت أنقرة تطالب بتحديث شروط الاتحاد الجمركي بشكل يحقق التوازن في مصالح الأطراف. 

وعبر الرئيس أردوغان عن ذلك بقوله :"أعربنا عن تطلعاتنا بشأن الشروع في العمل على تحديث الاتحاد الجمركي، ينبغي عدم تسييس هذا النوع من الملفات التقنية". 

**الالتزام باتفاقية بروكسل بين تركيا والاتحاد الأوروبي 

بتاريخ 19 مارس / آذار 2016، وقعت تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقا ينظم تدفق اللاجئين إلى أوروبا،.

وتنص بنوده على قبول تركيا لاجئين تعيدهم الدول الأوروبية مقابل السماح للمواطنين الأتراك بدخول دول الاتحاد دون تأشيرة دخول "فيزا"، وتقديم الاتحاد مساعدات مادية تصرف على اللاجئين، بالإضافة إلى تسريع عملية انضمام تركيا للاتحاد. 

بيد أنه ومقابل التزام تركيا التام ببنود الاتفاق، تلكأ الاتحاد الأوروبي في تنفيذ جميع البنود، بدءا من الالتزامات المالية، مرورا برفع الفيزا، وصولا إلى تسهيل انضمام تركيا للاتحاد. 

ما عدا التزام الأوروبيين بدفع جزء من مبلغ 3 مليارات يورو، فإنهم لم يفوا بوعدهم بالسماح للمواطنين الأتراك بدخول أوروبا دون فيزا، وبدل أن يتم تسهيل وتسريع عملية انضمام تركيا للاتحاد، توقفت العملية بشكل شبه تام. طبعا استنادا إلى حجج وملاحظات سياسية. 

الرئيس أردوغان شدد خلال قمة فارنا، على ضرورة عدم تسييس هذه القضية، بشكل يزعزع ثقة المواطنين الأتراك حيال الاتحاد الأوروبي، وطالب باستكمال الاجراءات اللازمة بهذا الخصوص. 

**العمليات العسكرية التركية ضد الإرهاب 

أكدت أنقرة أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي في سوريا وإن كان هدفها الأساسي تحقيق الأمن الاستراتيجي لتركيا، فإنها تحقق الأمن للسوريين، كما تساهم في تحقيق الأمن لأوروبا أيضا. 

هناك عتب تركي على الأوروبيين، الذين قاموا بانتقادات "ظالمة" لعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، بدل تقديم الدعم لتركيا في حربها على الإرهاب. 

**إعادة بناء الثقة

لدى تركيا أدلة واضحة وقاطعة على تلقي منظمة "بي كا كا" الإرهابية دعما مكشوفا من عدة دول أوروبية، وكذلك استضافة الأوروبيين لعناصر من الكيان الموازي شاركت في المحاولة الانقلابية الفاشلة. هذه التصرفات فضلا عن كونها تتعارض مع مبادئ الاتحاد، فإنها لا تليق بعلاقات الشراكة التي تربط الطرفين. 

هناك بعض الخطوات الهامة التي تم اتخاذها من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي تجاه منظمة "بي كا كا" الإرهابية، لكنها لا تزال دون المستوى المطلوب. 
وتبقى المعضلة الأساسية عند الأوروبيين والأمريكيين في أفعالهم وليس في أقولهم. 

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس