إميل أفدالياني - جورجيا توداي - ترجمة وتحرير ترك برس

شهدت العلاقات الثنائية الروسية التركية في الآونة الأخيرة تحسنا واضحا منذ إسقاط المقاتلات التركية طائرة روسية في أواخر عام 2015. هذا التقارب الذي انعكس في التبادل المستمر للتصريحات الدبلوماسية الداعمة والزيارات المتبادلة قد يكون له في الظاهر تداعيات على المنطقة الأوسع المحيطة بالبلدين. وقد حذر محللون في القوقاز في الفترة الأخيرة من المدى الذي يمكن أن يذهب إليه التعاون بين روسيا وتركيا، حيث يفترض البعض أن جورجيا وبقية جنوب القوقاز ستتأثر سلبًا.

وكما سيعرض هذا المقال، فإن التعاون الروسي التركي هو "تحالف المصلحة" الذي يستند إلى الظروف الحالية. وفي عمق ذلك التحالف يتشاطر كلا البلدين خلافات جوهرية مما يجعل من غير المحتمل أن تتخلى تركيا عن رؤيتها الجيوسياسية لجنوب القوقاز.

أولاً ، يجب أن نوضح الأسباب التي أدت إلى التعاون الوليد بين روسيا وتركيا. لقد تطورت السياسة الخارجية التركية على مدى السنوات الماضية بسبب الصراعات المستمرة في العراق وسوريا. تُظهر النظرة إلى خريطة الشرق الأوسط أن معظم حدود تركيا تقع في الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل من مصلحة تركيا الطبيعية المشاركة بنشاط في الجوار، وهذا يصطدم من المنظور الجيوسياسي مع مساعي روسيا في سوريا.

على أن هناك ظروفا مثيرة للاهتمام ربطت سياسات موسكو وأنقرة فيما يتعلق بالشرق الأوسط. يتقاسم البلدان علاقات غامضة إلى حد ما مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تركيا عضو في الناتو، وكان من الطبيعي تماماً أن تدخل في تحالف وثيق مع القوى الغربية في سوريا، فإن أنقرة كانت متحفظة من المساعدات العسكرية الأمريكية للأكراد في سوريا وغيرها من القضايا المتعلقة بمستقبل نظام الأسد. كما تشعر روسيا بالقلق من التصرفات الأمريكية في سوريا وداخل الفضاء السوفياتي الأوسع.

نقطة تقارب أخرى مثيرة للاهتمام هي أن تركيا وروسيا تتقاسمان علاقات صعبة مع الاتحاد الأوروبي، حيث تعرضت أنقرة في الآونة الأخيرة لانتقادات شديدة من قبل بروكسل، في حين كانت روسيا في مواجهة مع أوروبا حول أوكرانيا منذ عام 2014.

وعلاوة على ذلك هناك أساس عسكري واقتصادي بحت للتعاون: بيع صواريخ إس 400 الروسية إلى تركيا، والمشاركة الروسية في بناء محطة  أك كويو النووية في تركيا، والتقدم في مشروع السيل التركي الضخم للغاز الذي سيمكن روسيا من دعم صادراتها من الغاز إلى جنوب أوروبا بتجاوز أوكرانيا. هذه الخطوات مهمة، لكن من غير الواضح على الإطلاق أنها سوف تتجاوز "الغزل" وترسخ مواقف البلدين في الجانب الجيوسياسي.

ما تزال تركيا وروسيا في الواقع خصمين جيوسياسيين لهما مصالح متضاربة في كثير من المناطق الحيوية الاستراتيجية. ومن بين مناطق تضارب المصالح منطقة البحر الأسود، حيث إن موقع تركيا الجغرافي يمنحها اليد الطولى على البحر الأسود والسيطرة الطبيعية على مضيقي البوسفور وجناق قلعة، الأمر الذي يجعلها قادرة على إبراز قوتها العسكرية والاقتصادية عبر البحر الأسود بأكمله. كانت المنطقة تاريخيا ساحة صدام  بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية منذ القرن الثامن عشر، تلتها الترتيبات العسكرية للحرب الباردة. وعلى ذلك فإن لتركيا، مثل روسيا، مصلحة طبيعية في توسيع نطاق نفوذها في البحر الأسود، مما يترك مجالاً ضئيلا للبلدين لإيجاد تسوية مبدئية على المدى الطويل. ويجب أن نضيف إلى ذلك التحركات العسكرية الروسية في المنطقة منذ عام 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم التي تمنح الروس، بسبب موقعها الجغرافي، اليد العليا من حيث البنية التحتية العسكرية والقدرة على تغطية جميع شواطئ البحر الأسود.

إلى الشرق من البحر الأسود في جنوب القوقاز، لتركيا وروسيا وجهات نظر مختلفة إلى حد ما في المنطقة. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، عملت تركيا بنشاط على إعادة ربط منطقة جنوب القوقاز بسوق استهلاك الطاقة المتنامي من خلال إطلاق/ تسهيل مشاريع الطاقة والبنية التحتية بين الشرق والغرب. ولعل مشروعات مثل خط أنابيب باكو - تبيليسي - جيهان،  وخط باكو - تبليسي - سوبسا، وكذلك خط السكك الحديدية الجديد باكو - تبليسي - قارس، ليست سوى بعض المشاريع الرئيسية التي تدعمها أنقرة حاليا.

من مصلحة تركيا الحيوية أن تُبقي روسيا بعيدة عن ممر العبور الجورجي. وهناك في الواقع أسباب تدعو تركيا للقلق، حيث إن روسيا قد عمدت أخيرا إلى تغيير الحدود الموقتة مع ساماشابلو (أو ما يسمى أوسيتيا الجنوبية) داخل الأاضي الجورجية، مهددة الطريق السريع بين الشرق والغرب الذي يربط بين بحر قزوين والبحر الأسود. تفكر أنقرة في زيادة قدرات جورجيا  وأذربيجان العسكرية، وقد رأينا أن الشكل الثلاثي للتعاون بين البلدان الثلاثة قد ازدهر منذ إنشائه في عام 2012.

ثمة مساحة أخرى للاختلاف بين روسيا وتركيا، هي الصراع حول ناغورنو كاراباخ. روسيا لديها أجندتها الخاصة لحل النزاع، حيث تفضل روسيا في الواقع  إبقاء الوضع الراهن قائمًا لأطول فترة ممكنة، ولكن القتال المستمر والتغييرات الجذرية العرضية لا تترك مجالًا كبيرا للحفاظ على الصيغة الحالية. ولهذا السبب تريد روسيا دائما أن تكون تركيا (حليف أذربيجان) بعيدة عن الصراع قدر الإمكان.

وعلى ذلك فعندما نحلل التقارب في العلاقات الروسية التركية، نجد أن هناك مجموعة من القضايا التي لا تتفق حولها الدولتان. وسيؤدي أي تغيير في الموقف التركي تجاه محور أنقرة - تبيليسي - باكو إلى نفوذ روسي أكبر في جنوب القوقاز. وعلاوة على ذلك، سيؤدي انهيار محور أنقرة - تبيليسي - باكو أو حتى إضعافه إلى الحد من قدرات دول آسيا الوسطى على استخدام الممر الجورجي في المستقبل للتجارة مع أوروبا.

عن الكاتب

إميل أفدالياني

أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة تبليسي الجورجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس