صحيفة البايس الإسبانية - خاص ترك برس

عادة ما يسعى محبو السفر إلى استخدام ما هو قديم وعتيق. وعلى سبيل المثال، يتمتع القطار بهذه الخصائص، خاصة إذا لم تكن السرعة من مميزاته. وعلى عكس الطائرات، تكون رحلات القطارات القديمة، طويلة وبطيئة للغاية، بشكل لا يمكن تصوره. في الوقت نفسه، توفر هذه الوسيلة العتيقة تجربة سفر ملموسة، إذ تنتقل بالمسافر بين تفاصيل الخرائط، مظهرة جمال الكثير من الأماكن وميزاتها الجغرافية.

وفي تركيا، يتميز "قطار الشرق السريع" (El Dogu Ekspresi) بهذه الخصائص. ويربط هذا القطار القديم العاصمة أنقرة بمدينة قارص في الجزء الشمالي الشرقي من تركيا. ويمتد خط السكة الحديدية قرابة 1300 كيلومترا، ويمر بالأناضول الوسطى والأناضول الشرقية. وتستغرق الرحلة التي تمر عبر هذه الأماكن نحو 26 ساعة.

يعود إنشاء هذه السكة الحديدية إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وتم تحديثها خلال الستينيات. لكن، لم يشهد قطار الشرق السريع أوجه إلا مؤخرا. وعلى وجه الخصوص، لاقى خط السكة الحديدية رواجا على فيسبوك ويوتيوب، وبشكل أكبر على إنستغرام. وأدت شهرة هذا القطار والرحلة التي يقطعها يوميا إلى نفاد كل التذاكر؛ إلى درجة أنه أصبح من الصعب اقتناؤها أو العثور على مكان شاغر في هذا القطار.

وتعليقا على هذه التغييرات، أكد السيد نجاتي، الذي أمضى 14 سنة في قيادة قطار الشرق، أنه لم ير من قبل إقبالا بهذا الحجم على ركوب هذا القطار. وأشار السائق إلى أنه "في السابق، كان القطار مكونا من أربع عربات فقط. وغالبا ما يؤدي القطار رحلته دون ركاب. أما في الوقت الحالي، فيضم القطار 12 عربة، ويؤدي رحلته اليومية دون أي كرسي شاغر".

عموما، ومع نهاية اليوم، يتزاحم المسافرون لالتقاط صور قرب النوافذ وأمام علامات المرور. ومن بين هؤلاء المسافرين، إليف وأبناء عمها، وهم شباب من مدينة طرابزون، الذين تزودوا بطعام يكفي لتجهيز مأدبة إفطار في الطبيعة. ويحرص هؤلاء المراهقون على التقاط الصور، من أجل نشرها مثل غيرهم من الشباب على إنستغرام. وقد أورد أحد هؤلاء الشباب أنه "يسافر للمرة الأولى إلى شرق البلاد". وأكد أنه "منذ انتشار هذه الصور على الإنترنت، رغب هو ورفاقه في أن يجربوا هذه الرحلة التي لاقت رواجا في تركيا".

من جانبه، قال الكاتب مارتن كاباروس إن "القطار عالم متحرك"، كما أن هذه الوسيلة بمثابة مرآة للمجتمع. وفي قطار الشرق السريع، تسافر شرائح مختلفة من المجتمع. ففي إحدى العربات، يوجد شباب يلعبون الورق، لم يتوقفوا عن التدخين منذ أن بدأ القطار رحلته. وفي عربة أخرى، يتجول رجل ذو لحية طويلة يحاول بيع كتابه الشعري دون نجاح. ويسافر أيضا في هذه الرحلة مجموعة من المتقاعدين يرتدون ملابس رياضية، ويرافقهم دليل سياحي.

كما يتنقّل على متن قطار الشرق السريع شباب متنوعون بشكل مثالي، جهزوا عصاة السيلفي على أكمل وجه من أجل التقاط الصور. ومما يثير الانتباه، مشهد أحد المراهقين الذي تدلى جسمه من عربة القطار، وقد عبثت به حركة رياح الأناضول. ووصفت إحدى التقارير التركية هذا المشهد بأنه صورة لأحد "صيادي زرّ الإعجاب".

وتستمر رحلة القطار مرورا بنهر الفرات والمياه الفيروزية، والعديد من الأنهار ذات الألوان المدهشة. كما يعبر خط سكة الحديد بالقرب من الجبال الغنية بالمعادن، والمناجم المنتشرة على طول هذه الطريق.

ومن الأسباب الأخرى التي تفسر نجاح قطار الشرق السريع ورواج شهرته في جميع أنحاء تركيا؛ رغبة السلطات التركية في تغيير هذه الوسيلة العتيقة. وفي الفترة الأخيرة، انتشرت شائعات تشير إلى أنه سيتم استبدال قطار الشرق السريع بآخر أكثر سرعة. لهذا السبب، يتهافت الشباب للسفر على متنه لآخر مرة. ووفقا للأرقام الصادرة مؤخرا، نقلت سكة الحديد التي تربط عاصمة تركيا بحدود أرمينيا، قرابة 80 ألف مسافر في غضون ثلاثة أشهر فقط.

ونتيجة لانتشار صور هذه الرحلات على إنستغرام، استقبلت مدينة قارص عددا كبيرا من السياح، أكثر من أي وقت مضى. ويصور السياح في هذه المدينة القصور والمباني القديمة. ويكتشف الزوار أيضا التراث الأرميني في مدينة آني الرائعة. وعلى هذا النحو، أصبحت الفنادق مكتظة، واستقبلت المدينة الفقيرة الملايين من الليرات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!