د. علي حسين باكير - القبس الإلكتروني

دعا دولت بهتشلي، زعيم الحركة القومية (MHP) في تركيا، امس، الى إجراء انتخابات مبكّرة في البلاد، لافتا الى أنّه من غير الممكن الانتظار بصبر حتى 3 نوفمبر من العام القادم، مقترحاً في نفس الوقت، إقامتها في 26 أغسطس المقبل. وفقاً للمواعيد المحددة سلفاً عقب الاستفتاء الدستوري الذي جرى العام الماضي، فمن المفترض أن تجري الانتخابات البلدية في مارس من عام 2019، فيما من المزمع إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في وقت واحد للمرة الأولى على الإطلاق في البلاد في نوفمبر من عام 2019.

أثارت دعوة بهتشلي جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والعامة على اعتبار أنّ مثل هذا الأمر يتطلّب تقديم الانتخابات حوالي سنة كاملة وثلاثة أشهر عن الموعد المحدد سابقاً، وهو ما يعني انّ الفترة التي ستكون متاحة للجميع في حال تمّت الموافقة على هذا المقترح تبلغ قرابة أربعة أشهر فقط لا غير.

لقد دأبت الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية على نفي احتمال قيام انتخابات مبكرة مراراً وتكراراً، مؤكدةً أنّ الانتخابات ستجرى في المواعيد المحددة لها سلفاً، لكن جواب الحكومة كان مختلفاً هذه المرةّ. ففي تعليقها على مقترح زعيم الحركة القومية، لم تنف الحكومة التركية إمكانية إجراء الانتخابات في موعد مبكر، اذ قال المتحدث باسمها إنّ هذا الامر من المفترض أن يتم تداوله داخل أروقة حزب العدالة والتنمية قبل ان يتم الادلاء بتصريح حوله لاحقا. أمّا حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، فقد علّق على هذه الدعوة بالقول إنّه جاهز للانتخابات المبكّرة.

تجاذب داخل الحزب

يرجّح البعض ألاّ يكون بهتشلي قد اقترح تقديم موعد الانتخابات استناداً الى اجتهادٍ شخصي، وإنما تمّ دفعه الى ذلك من قبل البعض في حزب العدالة والتنمية، وذلك كي تكون دعوته بمنزلة ذريعة لإعادة فتح الموضوع ومناقشته، ولتجنّب الإحراج بعد ان كانت الحكومة قد نفت الأمر مراتٍ عديدة.

وفقاً لمصادر رسمية تركية، فإنّ موضوع تقديم موعد الانتخابات ظلّ لفترة غير قليلة محلّ تجاذب داخل أروقة الحزب نفسه. غالبية إعضاء الحزب تتبع رأي رئيس الحزب الذي هو في نفس الوقت رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. ويعكس هؤلاء وجهة نظر الرئيس لناحية ضرورة التمسك بالمواعيد المحددة مسبقاً لإجراء الانتخابات لاعتبارات عديدة سنأتي على ذكرها لاحقاً، لكنّ شريحة ضئيلة في الحزب تخالف هذا الرأي وترى ضرورة تقديم موعد الانتخابات لحاجة ملحّة تتعلّق بمصالح البلاد، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية من جهة، والخلاف التركي- الأميركي من جهة أخرى.

المؤيدون لمقترح تقديم الانتخابات يخشون من أن يؤدي الخلاف المتصاعد مع الولايات المتّحدة الى استخدام الأخيرة أسلحة اقتصادية في وجه تركيا تؤدي الى خلخلة الاقتصاد المحلي، ما يثير نقمة الناس على حزب العدالة والتنمية. يعتقد هؤلاء انّ مثل هذا الأمر ممكن، وأنّه في حال حصوله، فإن الحزب ورئيسه سيتلقيان ضربة قوية في الانتخابات المقبلة، ولن يكون هناك وقتٌ كافٍ لإصلاح الإضرار الناجمة عن مثل هذا الأمر، وأنّ الحل الوحيد لإغلاق الباب على مثل هذا الاحتمال هو تقديم موعد الانتخابات لتحقيق الاستقرار المنشود، وإنهاء حالة الضبابية السائدة بخصوص الوضع الاقتصادي، ووضع القوى الخارجية إزاء الامر الواقع مع استمرار سلطة الرئيس لخمس سنوات مقبلة على الأقل. يرى هؤلاء أنّ الذهاب بهذا الاتجاه يتطلب اجراء الانتخابات في موعد أقصاه خريف عام ٢٠١٨، والا فإن الفرصة ستفوت وسيكون على الجميع الانتظار الى نوفمبر ٢٠١٩.

في المقابل، يرى المعارضون لمثل هذا التوجه أنّ الموافقة على تقديم الانتخابات سترسل رسالة سلبية عن وضع تركيا، وهو ما قد يسرّع من أي ضغوط اقتصادية قد تكون موجودة. لكن العنصر الأهم في هذا النقاش هو رفض رئيس الجمهورية لهذا الخيار لفترة طويلة سابقاً لعنصرين أساسيّين، الأول هو أنّ الالتزام بالأجندة الرسمية لإجراء الانتخابات يرسل رسالة أقوى عن وضع الديموقراطية في تركيا. أمّا الثاني، فهو ضرورة استيفاء الفترة الرسميّة التي تخوّل رئيس الجمهورية البقاء في منصبه الى حين استنفاذها بشكل كامل، ذلك انّ تقديم الانتخابات –مع افتراض فوز أردوغان لاحقاً- يعني بأنّ الرئيس سيخسر حوالي السنتين من الفترة القانونية المتاحة له في منصب الرئاسة فيما لو تم الالتزام بالمواعيد المقررة سلفاً للانتخابات.

إعادة فتح الملف

وعليه، فقد حُسِمَ هذا النقاش قبل عدّة أشهر لمصلحة المعسكر الرافض لتقديم الانتخابات. لكن خلال الثلاثين يوماً الماضية، تمّ تسجيل عدد من المؤشرات السلبية المتعلقة بالوضع الاقتصادي، لا سيما بخصوص التراجع السريع لقيمة العملة وارتفاع نسبة التضخم، كما طفت على السطح خلافات بين رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية في البلاد محمد شمشمك، بالإضافة الى خلاف آخر متجدد بين رئيس الجمهورية والبنك المركزي حول الطريقة المثلى للتعامل مع الضغوط الاقتصادية. ومن المرجّح أنّ هذه التطوّرات حتّمت إعادة فتح الملف للنقاش من جديد، ولأنّه سيكون من المحرج جداً للحكومة او لحزب العدالة والتنمية ان يدعو الى مثل هذا الأمر، فضلاً عن إمكانية ان يفسّره البعض على أنّ الدعوة تأتي من موقع الضعيف، فقد قام زعيم الحركة القومية الذي ينخرط حزبه في تحالف انتخابي مع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة بالدعوة الى هذا الأمر.

الأرضية جاهزة

وبعيداً عمّا يقال في أروقة صنع القرار، هناك من يرى بأنّ الأرضية باتت جاهزة بالفعل لإجراء انتخابات، فالتحالفات الأساسية تمّ الاتفاق عليها بين مختلف الأفرقاء، والقانون الانتخابي جرى اعتماده والانتهاء منه، والحملات الانتخابية تقاد من قبل مختلف الأحزاب منذ أشهر، وعليه، فليس هناك من مبرر لوضع البلاد في موضع التأهّب أو الشلل، خاصّة انّ باقي الأحزاب الرئيسية المعارضة في البلاد كانت قد ردّت بشكل إيجابي على دعوة بهتشلي بالقول إنّها مستعدة أيضاً لمثل هذا التحدي الذي يتضمن خوض انتخابات مبكرة، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب إيّي (IYI) وحزب الشعوب الديموقراطية الكردي (HDP).

أمّا بالنسبة الى توقيت عقد الانتخابات في حال تمّ الاتفاق على تقديمها، فهذا الأمر لا يعود الى بهتشلي بالتحديد الذي يمكن ان تكون لديه حساباته الخاصة في اختيار هذا التاريخ بالتحديد، لكن من يقرر في هذا المجال هو إمّا رئيس الجمهورية وإمّا البرلمان. وفقاً للتعديلات التي دخلت حيّز التنفيذ في استفتاء أبريل ٢٠١٧، فإن البرلمان يستطيع انّ يدعو الى انتخابات مبكرة يقوم بتحديد موعدها من خلال أغلبية تساوي ثلاثة أخماس عدد أعضاء البرلمان، أو باستطاعة رئيس الجمهورية الدعوة الى انتخابات مبكرة، وفي هذا الحال يعتمد تحديد موعد الانتخابات على موعد إعلان رئيس الجمهورية النيّة في إجراء الانتخابات المبكرة.

في جميع الأحوال، النافذة الزمنية المتبقية لإمكانية إجراء انتخابات مبكرة تضيق، واذا لم يتم اعتمادها قبل خريف ٢٠١٨، فقد تغلق تماماً. في هذا السياق، يمكن القول انّ الاجتماع الذي سيجمع الرئيس أردوغان بزعيم حزب الحركة القومية اليوم (الأربعاء) سيحدد على الأغلب مصير موعد الانتخابات لناحية الإبقاء على المواعيد الرسمية لعام ٢٠١٩ أو تقديمها الى هذا العام. اذا ما وافق رئيس الجمهورية على تقديم موعد الانتخابات، فهذا سيعني انّ تحوّلاً قد حصل في تقييمه للوضع، أمّا اذا بقي متمسكاً بموقفه التقليدي فهذا سيعني على الأرجح نهاية النقاش حول تقديم موعد الانتخابات الا اذا طرأت ظروف قاهرة تحتّم اجراءها.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس