أردان زانتورك – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

لا يمكن توقّع أن الاتفاق الأمريكي-الفرنسي-البريطاني قادر على إراحة الضمير العالمي تجاه المأساة الإنسانية التي نشهدها في سوريا، وذلك بسبب محاولات الدول المذكورة في زيادة زخم الحرب السورية منذ سبعة سنوات إلى الآن، إضافةً إلى صمتها وهدوئها تجاه مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من المدنيين على أيدي قوات نظام الأسد.

استطاع الاتفاق الثلاثي ردع روسيا التي تدرك أنها لا تملك القدرة على شن حرب ضد القوة العسكرية التقليدية للغرب وحصارها في إقليم البحر الأبيض المتوسط، وبذلك حذّر الغرب جميع الدول -على رأسها الصين- التي تؤمن بأنها قادرة على مواجهته، لكن ذلك لم يظهر أي تأثير واضح بالنسبة إلى الأسد، إذ يستمر الأسد في الجلوس على عرش السلطة والتخطيط لمجازر جديدة.

يجب لفت الانتباه إلى نقطة هامة وهي أن النظام في سوريا سيأخذ بثأر العملية التي نفذتها أمريكا من خلال الضغط على المدنيين في مدينة إدلب وبالتالي سيؤدي إلى تشكّل موجات لجوء جديدة.

الهدف الرئيس للعمية العسكرية الأمريكية

إذا كانت العملية العسكرية التي نفذها الاتفاق الثلاثي بين أمريكا وفرنسا وبريطانيا كافية لحفظ ماء وجه الضمير العالمي تجاه ما يحدث في سوريا فذلك يفرض على تركيا إعادة حساباتها حول طريقة استغلال الغرب للمشروعية المكتسبة من خلال هذه العملية في مسألة حقول النفط الموجودة في البحر الأبيض المتوسط وكذلك في مسألة الدولة الإرهابية التي تحاول أمريكا تأسيسها في شرق الفرات، لأن تجاهل تركيا للمخططات التي نفذها الغرب -ويستمر في تنفيذها- ضد تركيا سيؤدي إلى إعادة سيناريو محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو 2016 مرة أخرى في الداخل التركي.

المزاعم الأمريكية تشير إلى أن القوى الإمبريالية قد وجّهت ضربة موجعة للأسد ودفعت روسيا وإيران للتراجع، لكن في الوقت نفسه كانت هذه العملية بمثابة رسالة للدولة التركية أيضاً، لأن الواقع يشير إلى أن الاتفاق الأمريكي-الفرنسي-البريطاني لا يخوض حرباً في سوريا فقط بل ضد تركيا أيضاً، والدليل على ذلك هو رفع أعلام هذه الدول في القواعد العسكرية التابعة لتنظيم بي كي كي الإرهابي، وكذلك الهجمات الاقتصادية والتحريض على أزمة اجتماعية جديدة وحماية تنظيم الكيان الموازي والحفاظ على بقاء عناصره من أجل تنفيذ هجمة داخلية جديدة في المستقبل ودعم التنظيمات الإرهابية ومحاولة تأسيس دولة إرهابية في جوار الحدود الجنوبية للدولة التركية.

هل يمكن لصواريخ الـ "توماهوك" التي استخدمتها أمريكا في قصف الأسد أن تلغي هذا الواقع الملموس؟ وكذلك هل انتهت محاولات الغرب لإفساد مرحلة أستانة ونقل العبء بأكمله إلى مرحلة جنيف من خلال إعطاء روسيا كل ما تريده؟

الوجهة الرئيسة لتركيا ومصالحها القومية

استطاع الرئيس أردوغان توضيح موقع تركيا من السياسة العالمية ببراعة سياسية ملحوظة خلال خطابه في 9 نسيان/أبريل، إذ ذكر أردوغان أن تركيا تتخذ خطوات هامة تجاه روسيا التي تدعم الأسد ولا تقف في وجه استخدامه للأسلحة الكيميائية من جهة، وتجاه أمريكا التي تدعم تنظيم بي كي كي الإرهابي من جهة أخرى، وهذه السياسة عبارة عن الوقوف على بُعد مسافة متساوية عن روسيا وأمريكا معاً، وكذلك إن مرحلة أستانة عبارة عن تطابق مصالح وليس تحالف، وفي هذا السياق إن تركيا تمثّل المتحدث الرسمي باسم المعارضة المشروعة ضد التحالف الروسي-الإيراني.

إن التجارب التي شهدتها تركيا عبر التاريخ ومحاولة انقلاب 15 تموز/يوليو مؤخراً تفرض على الدولة التركية أن تلتفت إلى وجهتها الرئيسة، ولذلك إن تركيا ليس مضطرة إلى التحالف مع أي دولة أو قوة أخرى.

والوجهة الرئيسة لتركيا واضحة، أولاً إيقاف محاولة القوى الإمبريالية لدفع تركيا إلى تقليص مجال خطوط الدفاع والحصار من جنوب الأناضول نحو الأراضي التركية،وبالتالي ردع مبادرات الغرب التي تهدف إلى تأسيس حامية جديدة -دولة إسرائيل ثانية- في جنوب الأناضول، وثانياً إيقاف المجازر العرقية والطائفية التي تنفذها القوى العالمية والتنظيمات الإرهابية وميلشيات حزب البعث ضد أهل السنة في سوريا، وجميع التطورات والتصريحات والمناورات الخارجة عن إطار هاتين الوجهتين هي تفاصيل فرعية بالنسبة إلى تركيا.

عن الكاتب

أردان زنتورك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس