أ.سامر بيرقدار - خاص ترك برس

حجُّ البيت منهجٌ إسلاميٌ متكامل، فمن جهة العبادة وإفرادها لله تعالى، هي في شعارك: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك»، ومن جهة الدنيا فهي ماثلة  من حل وارتحال، وأعمال مالية وبدنية

وهي من أعظم العبادات التي يسعى لها جميعُ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها راجين رضوان الله وطاعته لتطبيق الركن الخامس ..

هذا وقد عملَنظام الأسدعلى مدار عقود من الزمن على استغلال هذه العبادة لتتحول إلى أكثر الملفات السيادية فساداً عبر مؤسساته ووزارته التي نخرَ فيها الفساد والمحسوبيات والرشاوى لدرجة كبيرة جداً، حيث أصبح حلمُ العمر لدى الحجاج السوريين كابوساً بسبب ضعاف النفوس الذين عملوا ضمن مؤسسات الدولة الستة المشرفة على الحج، فقد عمدوا إلى استغلال السوريين شرَّ استغلال بهدف الحصول على المزيد من المزايا والأموال لمنافع شخصية، وبهذه الاستراتيجية تمَّ تحويل ملف الحج إلى مشروع تجاري لمنفعة أعوانهم وخاصتهم وليس غريباً عليهم ذلك، فهم يرون أننا مجردُ عاملين فيمزرعتهم ولسنا دولة تحيا بنشاطها ومؤسساتها.

وهذه الانعكاسات السلبية ارتدَّت على جميع الحجاج الرَّاغبين في زيارة المشاعر المقدسة ابتداءً من اعتماد المعنيين في ملف الحج من غير المؤهلين دون تحديد لأدنى مستويات الكفاءة والمهنية وانتهاءً بتقديم أسوأ الخدمات في مكة المكرمة والمشاعر والمدينة المنورة ، ولعلَّ من كرّمهم الله بزيارة بيته في السنوات الأخيرة سألوا آباءهم وذويهم عن رحلات الحج التي قاموا بها في السنوات التي كانت قبل الثورة، حيث كان يقيم الحجاج في المدارس وأماكن لا تصلح للسكن ناهيك عن افتراش التراب في عرفات ومنى ، وكان من أبرز أحلام أمناء الأفواج في ذاك الوقت أن تكون المخيمات في عرفة صالحة للسكن! كي تقي من شدّة الحر، وأنْ يتوفر مقعد للحاج في حافلة المشاعر لا ينازعه عليه أحد ، كما أنه من الطرائف التي تصادفنا اليوم عندما يقولُ لنا المعنيّون في المؤسسة الأهلية للطوافة في مكة المكرمة:

أين نحن الآن بعد كل هذا؟! في ربيع عام 2013 استلمت المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني السوري ملفَ الحج السوري كأول ملف سيادي تديره المعارضة السورية كاملاً ومنذ ذلك الحين شكلَ الائتلاف لجنةً مختصةً عليا لإدارة الملف، وكلّفها بتوقيع عقود الحج مع المملكة العربية السعودية وتنظيم شؤون الحجاج السوريين أينما وُجدوا دون أي اعتبارات مناطقية أو عرقية أو حتى سياسية في ظلِّ الوضع الراهن.

وخلال السنوات الست على إدارة هذا الملف تحوّلَ ملف الحج من حالة الفساد التي وصل إليهاإلى مؤسسةٍ ترقى إلى أعلى مستويات الشفافية والقانون ليتحقق الشرط القائل : "اهدم مؤسسة الفساد وابْنِ مع الشرفاء غيرها"، ليصل إلى استراتيجية التغيير الجذري وبناء المؤسسة الوطنية الحقيقية التي تخدم كلَّ السوريين ، فالحجُّ الآن بالنسبة للشعب السوري هو المقارنة المستحيلة ما بين العصر الجاهلي ودعاته والفتح الإسلامي وأصحابه.

وكما قال الشاعر :

ألم ترَ أنَّ السيفَ ينقصُ قدرُهإذا قيلَ إنَّ السيفَ أمضى من العصا
حيث أصبح الحاج يقيم  - ولأول مرة بتاريخ الحج السوري - في أبراج سكنية بمكة المكرمة وفنادق راقية في المدينة المنورة، وخيم "ماليزية" في عرفات مجهَّزة بوسائل الراحة، وتمَّ رفعُ مستوى الحافلات التي تُقلّ الحجاج في المشاعر المقدسة اعتماداً على نظام الرد الواحد ، أي : (لكل 50 حاجاً حافلةٌ خاصة) وكل هذا ضمن برنامج للمتابعة وتقييم أداء المجموعات القائمة على خدمة الحاج السوري.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ لجنة الحج قامت باستخدام تقنية "تتبع الحافلات GPS" التي تمكنت خلالها من متابعة ومراقبة جميع حافلات الحج السوري وذلك منعاً لهروبها كما كان يحصل في السنوات الماضية ولمتابعتها في حال تعطلت ، ويُعدُّ  استخدامُ هذه التقنية سابقةً على مستوى بعثات الحج في بلدان العالم الإسلامي وفقاً لتقييم مؤسسات الطوافة السعودية.

كل هذه التحسينات والأمور التطويرية كانت حاضرة، رغم كل العقبات والتحديات الكبيرة التي تعترض عمل اللجنة كتوزع مكاتب اللجنة على عدة دول وضرورة التأقلم مع ظروف كلِّ دولة إضافةً إلى السفر من عدة مطارات.

وقد يعتقد البعض بأنَّ هذه الخدمات قد سببت ارتفاعاً في كلفة الحج السوري لكنْ على العكس تماماً؛ بل إنَّ من أهم ما يميز الحج السوري في زمن الثورة هو انخفاض تكاليفه بالتوازي مع الخدمات الكبيرة والتحسينات الجديدة التي طرأت عليه، ويعود السبب في ذلك إلى ضبط الأسعار وتوحيدها وحصر تسديدها في مكاتب اللجنة والحدّ من الأرباح الكبيرة ومحاربة البيع والمتاجرة بتأشيرات الحج، كلُّ ذلك أدى الى الحدّ بشكلٍ كبيرٍ من عمليات السمسرة التي كان يتعرّض لها الحاج أيام النظام والتي كان يتاجر بها صراحةً.
ومازال لدينا الكثيرُ لنقدمَّه لسوريا وأهلها، لأنَّ الشعب السوري لديه من القدرات والطاقات التي تؤهله ليصل بسوريا إلى مصافِّ الدول المتقدمة في شؤون الحج ، كإدارة الحج من قبل تركيا وماليزيا وأندونيسياوالذي كنا نراهحلماً صعب المنال.

وإذا ما أردنا أن نقارنَ كلفة الحج السوري ذي المستوى الاقتصادي مع أسعار الحج في دول الجوار فإننا نجدُ أنَّ سعر الحج السوري ينخفض أمام أسعار تلك الدول بنسب متفاوتة و بخدمات متقاربة جداً مع خدمات الحج السوري.

فتبقى المقارنة صعبة جداً مع تركيا على سبيل المثال، حيث تنخفض تكاليف الحج بنسبة تتجاوز 29% أما مع الحج المصري فتنخفض بنسبة 17% بخدمات متقاربة.

وسنستمرُّ و سنواصلُ جهودَنا للحفاظ على هذه المنجزات للوصول لكامل أهدافنا في تحقيق المعنى الدعوي المنشود من رحلة الحج مرتكزين بذلك على القيمة العليا للحج و حسِّ المسؤولية العالي والحفاظ على حقوق الحجاج بصدق وأمانة وشفافية.

لأننا نعمل لنعاهد الحاج على تقديم خدمات ترضي الله تبارك وتعالى، ذلك الحاج الذي رضي بترك الراحة تلبية لفرض الله وسعى من أجل الله سبحانه ليطوف البيت ويقف في عرفة، ذلك الحاج الذي يبحث عن تاريخ رباني مجسد في صورة الكعبة المشرفة التي تهزُّ المشاعر وتذيبُ العقول في رحلة العمر والتي تُحوِّلُ البشر إلى أناس جدد تماماً. يستحقون منا شرفَ خدمتهم بعزم وقوة وإخلاص ، فهو تكليفٌ وليس تشريف لكل العاملين في مجال الحج من أعلى الهرم إلى آخره ، فلهم علينا خدمتهم ومخافة الله فيهم وعلى ذلك مستمرون.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس