ترك برس

يطلق الأرمن عادة عبر جماعات ضغط في مختلف دول العالم، دعوات إلى "تجريم" تركيا، وتحميلها مسؤولية مزاعم تعرض أرمن الأناضول لعملية "إبادة وتهجير" على يد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).

وفي الرابع والعشرين من أبريل / نيسان من كل عام، تحل ذكرى الأحداث التي وقعت بين عامي 1915 و1917. وتؤكد أنقرة عدم إمكانية إطلاق صفة "الإبادة الجماعية" على تلك الأحداث، وتصفها بـ "المأساة" لكلا الطرفين.

وتقول تركيا إن ما حدث كان "تهجيرا احترازيا" ضمن أراضي الدولة العثمانية، بسبب عمالة عصابات أرمنية للجيش الروسي.

كما تدعو أنقرة إلى تناول الملف بعيدا عن الصراعات والمصالح السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة"، الذي يعني التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وأن يتفهم كل طرف ما عاشه الآخر.

وبينما يدعي الأرمن أن هذه الأحداث أسفرت عن مقتل ما بين مليون إلى مليون ونصف مليون شخص، وفق معلومات متضاربة، يؤكد باحثون من طوائف ودول عديدة عدم صحة هذه الحصيلة، فيما عمل باحثون عرب وأجانب مطولا على دراسات مكثفة، استنتجوا منها أن الدولة العثمانية بريئة تماما من أي مجازر مفترضة بحق الأرمن.

استند هؤلاء في أبحاثهم إلى وثائق ومستندات رسمية، غير أن دولا غربية ترفض الإفصاح عن ذلك لأسباب سياسية ودينية وعرقية. كما أن أرمينيا، بحسب باحثين، تعمل على ابتزاز تركيا اقتصاديا وسياسيا، لذا دائما تفتح هذا الملف إعلاميا.

في كتابه "الاحتكام إلى التاريخ"، يفند الأستاذ الدكتور ماجد الدرويش، باحث ومحاضر لبناني، وقائع أحداث 1915، عبر وثائق ومستندات ودراسات أجنبية تؤكد جميعها أن تركيا بريئة، والمحرض الأساسي هي روسيا.

ويقول الدرويش، خلال حديث لوكالة الأناضول التركية، إن "شرارة هذه الأحداث بدأت في القرن التاسع عشر، عندما احتل الروس شمال منطقة الأناضول ودخل معهم أرمن، فسلم الروس الحكم المحلي للأرمن، وارتكبوا مجازر شنيعة بحق الأكراد والأتراك معا".

ولفت إلى أن "هذه المجازر سبقتها مجازر أخرى بحق المسلمين في اليونان والقفقاز ومناطق أخرى، هاجر منها المسلمون عندما احتلها الجيش الروسي".

نظرية الباحث اللبناني ليست نتيجة استلهام شخصي، بل نقلا عن الباحث الأمريكي جاستون ماكارثي، صاحب كتاب "الطرد والإبادة"، المبني على تقارير قناصل أجنبية في الدولة العثمانية، كانوا ينقلون أخبار مجازر الروس وأعوانهم الأرمن بحق المسلمين على مدار 100 سنة (1821 حتى 1922) في بلاد القفقاز.

وبحسب الأدلة الموثقة في كتاب ماكارثي، فإنه في العشرين من أبريل / نيسان 1915، بدأ الأرمن في مدينة "وان" (ضمن نطاق الدولة العثمانية) بإطلاق النار على مخافر الشرطة ومساكن المسلمين، مع تقدم الأرمن وتغلبهم على قوات الأمن العثمانية، وقد أحرقوا الحي المسلم، وقتلوا مسلمين وقعوا بين أيديهم.

نفذ الأرمن "جرائم فظيعة" بحق الأتراك والأكراد في شمال شرق الأناضول، وحين انسحبت روسيا من هذه المنطقة عقب الثورة البلشفية، ذهب مع الروس عدد كبير من الأرمن، فيما بقي آخرون، فتم الانتقام منهم ردا على التنكيل.

آنذاك، ووفق الدرويش، "وجدت الدولة العثمانية نفسها مجبرة على ترحيل الأرمن من شمال شرق الأناضول إلى الداخل للحفاظ على حياتهم، حيث أرادت أن تحول بين هذا التقاتل".

في تلك المرحلة، وتحديدا عام 1917، جرت عملية ترحيل الأرمن من جانب الدولة العثمانية وسط ظروف صعبة جدا، حيث كانت تضرب العالم مجاعة كبيرة، فتوفي بعض الأرمن بسبب الجوع والمرض، وليس كما يشاع بأن العثمانيين هم من قتلوهم.

لا يتهم الباحث والمحاضر اللبناني كل الأرمن بخيانة العهد الذي أولتهم إياه الدولة العثمانية، التي رعتهم وعينت متصرفين من عرقهم، لكنه يتهم البعض منهم بخيانة الأمانة والتجسس لمصلحة الروس وقتل مسلمين، بينهم أكراد وأتراك.

ويلفت الدرويش إلى "مسألة مهمة تتعلق بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث نادى أكثر من مرة (مقابل رفض الطرف الأرمني) بتشكيل لجنة محايدة لدراسة الوثائق المتعلقة بهذه القضية، سواء كانت في الأرشيف العثماني أو البريطاني أو الأرمني أو الأمريكي، والقرار الذي تخرج به هذه اللجنة هو مستعد (أردوغان) لقبوله".

البروفسور خلوق سلفي، مدير مركز أبحاث العلاقات التركية الأرمنية في جامعة سقاريا، يقول بدوره إنّ نحو 300 لوبي أرمني، يعتمدون في معيشتهم على المتجارة بمزاعم أن الأتراك ارتكبوا مجازر ضدّ الأرمن عام 1915.

وأوضح الأكاديمي التركي، أنّ متاجرة هذه اللوبيات بتلك المزاعم، هو سبب كافٍ لتمسك الأرمن بتلك الادّعاءات. وأشار إلى وجود العديد من الأكاديميين في الجامعات الأمريكية والأوروبية، يسعون حالياً لإقناع الرأي العام العالمي بأنّ مزاعم الأرمن حول وقوع مجازر بحقهم عام 1915، قد حدثت بالفعل.

وأضاف "سلفي" أنّ أرمينيا واللوبيات الأرمنية حول العالم، تتعاون مع القوى التي تعادي تركيا، من أجل إقناع الرأي العالم العالمي حول أحقية مزاعمهم.

وتابع قائلاً: "هذه اللوبيات لا تكتفي بأن يتم اتهام تركيا بارتكاب المجازر، بل تسعى في العديد من الدول لمحاكمة كل من لا يصّدق مزاعمهم، وقد استطاعوا دفع العديد من الدول إلى سن قوانين تعتبر رفض هذه المزاعم بمثابة جريمة ضد الإنسانية، لكن هذا الخطأ تمّ تفاديه من قِبل العديد من المحاكم الدولية".

وأكّد سلفي أنّ الهدف الرئيسي للوبيات الأرمنية من الترويج لمزاعم الإبادة، هو لم شمل الأرمن وتوحيد كلمتهم في جميع أنحاء العالم، وجمع المساعدات وتشكيل نفوذ سياسي لهم.

ولفت مدير مركز الأبحاث، إلى أنّ العالم الغربي ساهم بشكل كبير في تعقيد أحداث عام 1915، وذلك من خلال الترويج لمزاعم اللوبيات الأرمنية في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف أنّ تلك اللوبيات، تفتقر للأدلة والبراهين والوثائق التاريخية، لدعم مزاعمهم حول ارتكاب الأتراك مجازر بحقهم، ورغم ذلك يسعون لدفع تركيا إلى الاعتراف بما لم ترتكبه في ماضيها.

وذكر بأنّ الأرقام الرسمية تشير إلى وجود مليون و100 ألف أرمني كانوا يعيشون في تركيا عام 1915، لكن اللوبيات تدّعي تعرّض نحو مليون ونصف أرمني للإبادة في تلك الحقبة الزمنية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!