صحيفة فاستنيك كافكاز الروسية - ترجمة وتحرير ترك برس

 في الوقت الراهن، تتخبط أوروبا في العديد من المشاكل الداخلية، ومشاكل الهوية، فضلا عن وقوع السياسيين رهائن لرؤية قصيرة المدى، وذلك حسب ما أفادت به صحيفة "صباح" التركية.

منذ شهرين، تعرضت تركيا للعديد من الانتقادات من طرف الجهات الأوروبية، بينما ارتأت بعض الجهات الأخرى دعم أنقرة. وفي حين استندت الجهات الداعمة لتركيا لمنطق يقوم على التفكير العقلاني والاستراتيجي، معتبرة أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يعد من الآليات الرئيسية التي ستجعل المنظمة قوة عالمية، عارض آخرون وبشدة العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي.

يختلف المشهد العام اليوم عما كان عليه في السابق، إذ باتت حكومات الاتحاد الأوروبي تنقسم إلى معسكرين أساسيين فيما يتعلق بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. في الواقع، لا تزال مواقف جميع الحكومات والجهات الفاعلة السياسية عدائية تجاه تركيا، لكن بعضها يعلن بصراحة عن موقفه، بينما ارتأى البعض الآخر التحفظ عن وجهة نظره.

عموما، إن أزمة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي متواصلة منذ زمن بعيد ولم تشهد أي انفراج، إلا أن العالم اليوم يشهد تحولا نموذجيا في العلاقات بسبب الأحداث الأخيرة التي جدت في تركيا ودول الاتحاد الأوروبي على حد السواء. ولا يمكن إنكار وجود مجموعة من الظروف المتغيرة التي تحدد هذا التحول النموذجي.

المجموعة الأولى ترتبط بالاتحاد الأوروبي

بلغت فكرة إضفاء الطابع المؤسسي للاتحاد الأوروبي ذروتها بعد نهاية الحرب الباردة، وتوسع الاتحاد الأوروبي نحو أوروبا الشرقية. وفي البداية، واجه الاتحاد الأوروبي مشاكل كثيرة تتعلق بمجال الدفاع والسياسة الخارجية، فضلا عن الأعضاء الجدد. ونتيجة لذلك، فقد الاتحاد مكانته بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، حيث قرر البريطانيون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لتنسج دول أخرى على منوالهم.

إلى جانب ذلك، واجه الاتحاد الأوروبي العديد من الصعوبات في حل المشاكل الداخلية والخارجية على حد السواء، من بينها استفحال العنصرية، وصعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة، وتفشي المشاعر القومية المتطرف وكراهية الأجانب والإسلاموفوبيا. ويضاف إلى هذه المشاكل، انتشار الأصوات غير الليبرالية المناهضة للعولمة في جميع أنحاء أوروبا.

لقد عانى الاتحاد الأوروبي من مسألة ظهور جيل جديد من السياسيين الأوروبيين، تقودهم  نخبة سياسية جديدة لا تؤمن بوحدة الاتحاد الأوروبي ولا تسعى لترويج هذا المبدأ في بقية بلدان الاتحاد. كما يتردد بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي في تحمل أعباء ومشاكل الآخرين، حيث تعاني دول جنوب الاتحاد الأوروبي من مشاكل اقتصادية، وتكافح مشاكل تدفق اللاجئين. في المقابل، لا تعاني دول الشمال من هذا النوع من المشاكل، وهي غير مستعدة لإدراج المشاكل القائمة في دول الاتحاد الأخرى في سياساتها الداخلية.

أما المجموعة الثانية التي تحدد هذا التحول النموذجي، فهي تؤيد عضوية تركيا وسياستها التي تشهد نوعا من التحول. فخلال السنوات الأخيرة، تحولت تركيا من دولة ضعيفة وفي تبعية اقتصادية، إلى قوة سياسية ودولة أكثر استقرارا من الناحية الاقتصادية، ما ساهم في تعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. كما سعت أنقرة إلى تنويع علاقاتها الثنائية ومراجعة مصالحها الوطنية. لكن، يبدو أن الدول الأوروبية غير مستعدة بعد لإنشاء علاقات بناءة مع تركيا الجديدة.

من هذا المنطلق، يحاول الاتحاد الأوروبي الحفاظ على نهج هرمي في علاقاته مع تركيا، والاستمرار في إعطائها التعليمات وإملاء السياسات الداخلية والخارجية عليها. مما لا شك فيه، يرفض الاتحاد الأوروبي فكرة تركيا الجديدة، ملتزما بسياسة لا تتعارض فقط مع القيم الديمقراطية التي تدعمها الكتلة، وإنما تهدد أيضا بشكل مباشر الأمن القومي ومصالح تركيا.

بمجرد ازدهار اقتصاد تركيا وتطورها، بدأ الاتحاد الأوروبي في دعم العناصر المناهضة للديمقراطية في البلاد، حيث يحتضن الجماعات الإرهابية ويضمن سلامة المتآمرين، كما لم تجرؤ الجهات الأوروبية الفاعلة على الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية، وإنقاذها من القوى غير الديمقراطية.

في هذا الإطار، فتحت مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأعضاءه منابرهم لعناصر فاعلة غير حكومية، متجاهلة تحذيرات تركيا. ومع ذلك، مازال الاتحاد الأوروبي يتوقع من تركيا اتخاذ تدابير أساسية لحماية أوروبا من تدفق اللاجئين، والإرهاب الدولي.

في حقيقة الأمر، يدرك الاتحاد الأوروبي والجانب التركي أن احتمال عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد بات أمرا صعب المنال. لذلك، يتعين على الجانبين خلق نوع جديد من العلاقات تقوم على منظور واقعي، ومتبادل، وأفقي، وإستراتيجي. وليظل الاتحاد الأوروبي وتركيا كيانين مترابطين، يتوجب عليهما مراجعة علاقاتهما الثنائية، وإعطاء الأولوية للقيام بالخطوات الإيجابية، وفي المقام الأول يتعين على الاتحاد الأوروبي التوقف عن استخدام تركيا كأداة لخدمة سياسته الداخلية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!