وداد بيلغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

قام بعض الأطراف في الدّاخل التركي بانتقاد رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" لمشاركته في المسيرة المُندّدة بالإرهاب والتي جرت في العاصمة الفرنسية باريس قبل عدّة أيام. وإنّ سؤالهم واستفسارهم عن سبب تواجد داود أوغلو في هذه المسيرة، إنّما يدل على غرابة العقلية التي يصعب فهمها لدى هؤلاء النّاس.

إنّ تواجد رئيس الوزراء في الصّفوف الأمامية في هذه المسيرة، دليل على ثبات المواقف التركية الحازمة ضدّ الإرهاب لا سيما أنّ الضّمير العالمي تأثّر وبشكلٍ كبير نتيجة الاعتداءات الإرهابية التي حصلت مؤخّراً في باريس وغيرها من العواصم العالمية.

وخلال عقده للمؤتمر الصّحفي الذي أعقب مشاركته في المسيرة المُندّدة، قام داود أوغلو بانتقاد الاعتداء الإرهابي الذي حصل في باريس، وأنّه لم يكتفِ بهذا بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ندّد واستنكر ظاهرة التّمييز العنصري المُتنامية في القارة الأوروبية والمتمثّلة بالإسلاموفوبيا. وقد أعلن على الملأ أنّ هذه الاعتداءات الإرهابية في القارة الأوروبية ناتجة عن السياسات الأوروبية القائمة على تهميش الأقليات ونبذ الأديان الأخرى والانغلاق على الدّاخل الأوروبي.

فالدّولة التركية منذ زمنٍ بعيد تعمل على نشر السياسة القائمة على التعايش الجماعي واحتضان الجميع من مختلف الأديان والطّوائف والأعراق ضمن بوتقةٍ واحدة.

وقد عاشت شعوب الأناضول والشّرق الأوسط والقارة الأفريقية وشعوب بلاد الرّافدين تحت مظلّة هذه الثّقافة السياسيّة منذ عصور طويلة، وذلك من دون نشوب خلافات تُذكر بين هؤلاء الشعوب على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم. حيث أحيت هذه الدّولة مفاهيم العيش السلمي من خلال التّعايش الودّي بين الجوامع والكنائس.

اليوم نجد أنّ القارة الأوروبية مُنغلقة على نفسها. ومع تزايد هذا الانغلاق، نجد أنّ حركة بيغيدا (PEGİDA) المعادية للإسلام تتعاظم في ألمانيا. كما أنّنا نجد أنّ أحزاباً قومية متطرّفة مثل حزب (LePen) الفرنسية تزداد قوّةً وشعبيةً في فرنسا وغيرها من دول القارة الأوروبية.

ومنذ ما يقارب المئة عام كان هؤلاء الأوروبيون الذين يعادون المسلمين في هذه الأيام، هم أنفسهم من كانوا يستغلّون ثروات الشعوب الإسلامية في القارة الآسيوية والأفريقية وينهبون خيراتها ويجبرون أبناء المناطق الإسلامية على خدمة مصالحهم في العالم. بينما تراهم اليوم ينفرون من الإسلام والمسلمين وهم الذين بنوا مجدهم وحضارتهم على حساب خيرات العالم الإسلامي.

ومع انغلاق القارة الأوروبية على الدّاخل وتهميش الأقليات الموجودة فيها، فإنّها تعارض بذلك قيمها التي تنادي بها مثل الدّيمقراطية والعيش السلمي بين جميع الطوائف والمعتقدات الدينية. وإنّ ابتعاد القارة الأوروبية عن الدّيمقراطية، يعني فقدانها لحسّ الثّقة بالنّفس التي تدّعي أنّها تتحلّى به.

وإذا ما استمرّت القارة الأوروبية على هذا المنوال، فإنّه من الصّعب عليها أن تحلّ مشاكلها مع مرور الزّمن. لأنّها ستفقد هذه القدرة مع استمرار سياسة التّهميش لديها.

كما ذكر داود أوغلو بأنّ من أحد أسباب المشاكل التي حلت بالقارة الأوروبية في هذه الآونة، مرتبطة بالسياسات الأوروبية تجاه الدّولة التركية. فمسألة المفاوضات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يشكّل مخرجاً مهمّاً للأوروبيّين من هذه الأزمات. فأهميّة تركيا بالنسبة للقارة الأوروبية يزداد بشكل تدريجي وبسرعةٍ أكثر من أي وقتٍ مضى. وإنّ تعاظم أهمية الدّولة التركية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ناتج عن عدّة أسباب، منها أنّ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يخلّص الأوروبيين من فكرة الانغلاق مع مرور الزّمن وتبنّي فكرة المجتمع الخليط الذي يحوي كافة الطوائف والأعراق.

ولهذا السبب أيضاً فإنّ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سوف يخلّص القارة الأوروبية من مشكلة الاستقطاب المسيحي وسيساهم في دمج الحضارة الإسلامية في المجتمع الأوروبي.

ومن أحد أسباب تعاظم أهمية الدّولة التركية بالنسبة للقارة الأوروبية، هو أنّ تركيا تمتلك نسلاً شابّاً لا يستهان به، حيث من الممكن لهذا النّسل أن يُساهِم في النّهضة الاقتصادية للقارة الأوروبية التي تعاني من أزماتٍ اقتصادية خانقة في هذه الفترات.

إنّ مشاركة داود أوغلو في المسيرة التّضامنية التي جرت في باريس أعطت رسالة إلى المسلمين والأتراك الذين يعيشون في القارة الأوروبية بأنّكم لستم لوحدكم، كما بعثت برسالةٍ إلى الأوروبيين بأنّ العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيّين ممكن وليس مستحيلاً.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس