ترك برس

تقع فيينا عاصمة النمسا في قلب أوروبا، وبسبب موقعها الاستراتيجي أضحت حلما يراود العثمانيين، ففي كل مرة يصلون إلى أسوار فيينا ويغنمون الغنائم وأجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أو الوسطى ويعودون بموجب اتفاقيات مع النمسا.

وفي إحدى الحملات للجيش العثماني لصد الألمان في عمق أوروبا والسيطرة على بعض القلاع النمساوية المهمة، قرر الصدر الأعظم "قرة مصطفى" باشا التحرك باتجاه فيينا لفتحها، وجمع مجلس الحرب ﻹعلامه بخطته.

احتار الوزراء في هذا القرار، واعترض عليه الوزير "إبراهيم باشا" مؤكدا أن رغبة السلطان محمد الرابع هي فقط الاستيلاء على يانق قلعة، ومناوشة أوروبا الوسطى، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، وجاوبه قرة مصطفى باشا بأنه "من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة".

اجتمعت أوروبا لنجدة فيينا من السقوط،عندما سمعت بقدوم العثمانيين للسيطرة على فيينا،وأمر ملك بولندا بنقض عهده مع العثمانيين، وأمر اﻷلمان بالتوجه إلى فيينا، وبلغ تعداد الجيش 70 ألف من بولندا وألمانيا والنمسا.

وعند شعور الجيش الأوروبي بأن سقوط فيينا بدا لا محالة منه خلال بضعة أيام، أقدم الأوروبيون على عبور جسر الدونة بالقوة، والذي يسيطر عليه العثمانيون، مهما كلفهم من خسائر، لأن اﻹمدادات لا تصل إلى فيينا إلا عبر هذا الجسر، الذي يعد الطريق الوحيد إلى فيينا من الغرب.

الخيانة العظمى الأولى

على الجانب اﻵخر للجسر، كان "قرة مصطفى" قد وضع قوة عثمانية بقيادة مراد كراي، ليمنع تقدم الأوروبيين،وأمر كراي بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة.

وفي هذا المكان، حدث ما لم يكن بالحسبان، حيث قام مراد كراي، بخيانة عظمى لقائده ودولته، وذلك بأنه سمح للأوروبيين بالعبور من الجسر دون قتال، قام بذلك بسبب كراهيته لقرة مصطفى.

وكان مراد كراي، يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من السلطة، و لم يخطر بباله أن خسارة العثمانيين على أسوار فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي وستنهي الوجود العثماني في عمق أوروبا.

وفي يوم السبت 20 رمضان 1094 الموافق 12 أيلول/ سبتمبر 1683، تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا، وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة بسهولة، إلا أن مصطفى باشا شن هجوما مضادا بمعظم قواته، وكان العثمانيون يريدون دخول فيينا قبل مجيء المدد الأوروبي ولكن المدد قد وصل بسبب الخيانة.

قام مهندسون عسكريون بإعداد تفجير من خلال نفق أعدوه للوصول إلى المدينة بشكل أسرع، واكتشف النمساويون موضع التفجير،فدخل أحدهم و أبطل مفعوله.

الخيانة العظمى الثانية

ثم حدثت خيانة عظمى أخرى من جانب أوغلو إبراهيم، قائد ميمنة الجيش العثماني، إذ انسحب من القتال، مما أثر تأثيرا كبيرا على الجيش العثماني وأدى إلى هزيمته، وعندما لاحظ قرة مصطفى تلك الخيانة، حاول المحافظة على قواته وسحبها بصورة منظمة من أرض المعركة.

وفي طريق العودة، قام قرة مصطفى بإعدام كل من مراد كراي وأوغلو إبراهيم، ولم يشفع له ذلك عند السلطان محمد الرابع، فأمر بقتله.

تسببت هزيمة العثمانيين عند أسوار فيينا، في إيقاف التوسع العثماني في أوروبا، بل وأدت بعد ذلك إلى تحرك جيوش التحالف الأوروبي لاقتطاع الأملاك العثمانية في أوروبا. فكانت هذه الهزيمة نقطة تحول فاصلة في التاريخ العثماني والأوروبي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!