أشرف دوابه - عربي 21

تشهد الليرة التركية انخفاضا ملحوظا مقابل الدولار بلغ ذروته خلال الأيام القليلة الماضية حتى وصل سعر الدولار إلى أكثر من 4.15 ليرة، وقد فتح تجاوز الدولار أربعة ليرات التكهنات بشأن مستقبل الليرة التركية وأسباب هذا الانخفاض الذي امتد لأكثر من أربعة أعوام، واتسم بالتذبذب في الأعوام الأخيرة وإن شهد ارتفاعا ملحوظا مع مزيد من التذبذب وعدم الاستقرار منذ نهايات العام الماضي.

ويلقى هذا التذبذب والارتفاع بمزيد من الغموض نحو مستقبل سعر الليرة واتجاهات المستثمرين لاسيما ما يترتب على ذلك من ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت لنسبة 13% وهو ما يعني تأكل المدخرات بالعملة المحلية والدفع بالمودعين نحو الدولرة لحماية تلك المدخرات، والإخلال بالثقة المرجوة لاسيما من جانب المستثمرين الذين قد تبدو الصورة أمامهم ضبابية وغير مستقرة في ظل تآكل أرباحهم وارتفاع معدلات الفائدة.

ولكن رغم تلك المخاوف فإن بنيان الاقتصاد التركي يحول دون ترك الاقتصاد فريسة لها، فالاقتصاد التركي يتسم بأنه اقتصاد حقيقي ذات تنوع هيكلي واعتماد ذاتي، وهو ما يمتص موجات التضخم قدر الإمكان، كما أن انخفاض سعر الليرة يعتبر في الوقت نفسه دافعا بقوة لزيادة الصادرات التركية لاسيما في ظل ما تتمتع به هذه الصادرات من مرونة ملحوظة، وهو ما يمكن تركيا من تعزيز الصادرات الحالية، وفتح أسواق تصديرية جديدة، وإن كان هذا مرهونا باستقرار سعر صرف الليرة وعدم تعرضه للتذبذب ارتفاعا أو انخفاضا.

إن المتتبع للبيانات الرسمية التركية يجد أنها تعكس تطورا ملحوظا في الصادرات التركية، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون تأثيره إيجابي على الليرة التركية، فقد أكد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، تسجيل أعلى حجم من الصادرات في تاريخ الجمهورية التركية، خلال مارس/ آذار الماضي  حيث ارتفعت بنسبة 11.5 بالمائة، على أساس سنوي، إلى 15 مليارا و106 ملايين دولار. وأشار الوزير إلى أن تركيا نجحت في زيادة صادراتها إلى دول العالم المختلفة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وكانت الزيادة الأكبر في الصادرات إلى الدول الإفريقية التي زادت بنسبة 22 بالمائة خلال تلك الفترة، يليها الصادرات إلى آسيا التي زادت بنسبة 20 بالمائة، ثم الصادرات إلى أوروبا التي زادت بنسبة 17 بالمائة. ولفت الوزير  إلى أن قيمة الصادرات التركية في الفترة من مارس/ آذار 2017 إلى مارس/ آذار الماضي 160 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة الصادرات بنهاية العام الجاري 170 مليار دولار. كما أن معدل نمو  الاقتصاد التركي للعام الماضي 2017م بلغ نسبة 7.4 بالمائة، متصدرا بذلك بلدان مجموعة العشرين، متجاوزا ثلاثة أضعاف متوسط نمو الاتحاد الأوروبي، كما تخطى أكثر الاقتصادات سرعة في النمو مثل الصين والهند.

وهذا يعكس أن أزمة الليرة التركية لا ترتبط بالاقتصاد الحقيقي التركي بقدر ارتباطها بعوامل أخرى في مقدمتها السياسة النقدية والائتمانية، والحروب والتآمرات الخارجية، فما زالت سياسة البنك المركزي التركي تعالج ارتقاع معدل التضخم - الذي وصل لأعلى نسبة منذ عشر سنوات- من خلال رفع سعر الفائدة، وقد ثبت أن هذا العلاج غير ناجع  وأن سمومه أشد ضررا من فوائده خاصة في ظل وجود العديد من أدوات السياسة النقدية الأخرى التي تحقق هذا الغرض، فإذا كان رفع سعر الفائدة يقلل من حجم المعروض النقدي مما يسهم في خفض التضخم فإنه من ناحية أخرى يزيد من تكلفة الاقتراض مما يزيد من تكلفة الاستثمار ويصب من ناحية أخرى في زيادة معدلات التضخم، وهذا الرأي الأخير يتوافق مع رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعارض بصورة واضحة ارتفاع سعر الفائدة ، ويطالب بتخفيضها لمعالجة التضخم وتشجيع الاستثمار، ومن ثم رفع معدلات النمو، وهو الرأي الذي له وجاهته وأولى بالاتباع لاسيما وأن الرئيس أردوغان طالما يردد في مواقف متعددة بأن سعر الفائدة هو سبب كل بلاء في عالم الاقتصاد، فهي يزيد من فقر الفقير، ويزيد من غنـى الغني، وأن المستفيد الأكبر  منه هو مؤسسات التمويل، وليس المواطنين. 

أما بالنسبة للحروب فتركيا فرضت عليها الحرب في سوريا والعراق فرضا لحماية وجودها، وهذه الحروب لها تكلفتها ولكن مع ذلك فإن نتائجها الإيجابية تمثل عامل تفاؤل لليرة التركية، ويبقى بعد ذلك التآمر الخارجي وفي القلب منه التآمر الاقتصادي الذي تقوده دول خليجية بمساندة دولية لوقف مسيرة المارد الاقتصادي التركي ووضع العراقيل أمام الرئيس التركي وحزبه لتكملة مسيرة النهضة والتنمية لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر/  تشرين الثاني 2019، والذي يرغب من خلالها الرئيس التركي الانطلاق في كافة المجالات بعد العام 2023، والتي ستتحرر فيه تركيا من القيود التي وضعت عليها في اتفاقية لوزان عام 1923.

إننا نقر بأهمية استقلالية البنك المركزي ولكن في الوقت نفسه ينبغي تنسيق السياسة الاقتصادية التركية بما يحقق الاستقرار لليرة التركية لخدمة السياسات الاستثمارية بما يحفظ الموروث التنموي ويغلق أبواب التآمر التي لن يكتب لها النجاح في ظل الإرادة والإدارة التركية فضلا عن كونها ملاذا المظلومين، وختاما ينبغي على الوافدين بتركيا من عرب وغيرهم أن يقابلوا كرم الضيافة التركية بدعم اقتصادها من خلال البعد كل البعد عن الدولرة ، وتفعيل الاستثمارات بها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس