ياسر التركي – خاص ترك برس

وكالات التصنيف الإئتماني هي شركات خاصة (مستقلة!) تقوم بتقييم الجدارة الائتمانية لمُصدريِ السندات من دول وشركات، أي قدرة الشركات والدول على سداد الديون أو قابلية الاستثمار فيها، وبالتالي ينعكس تصنيف المؤسسات والدول بالإيجاب أو بالسلب على ثقة المستثمرين في الدولة أو الشركة.

فالتصنيف العالي يسهل على الحكومات والشركات الحصول على التمويلات والقروض اللازمة سواء من السوق المحلي أو الخارجي لاستكمال رؤيتها وتنفيذ مشاريعها الاقتصادية التوسعية.

وتعتمد مؤسسات التصنيف الائتماني على عدة معايير مبنية على الاقتصاد والتشريعات والتأثيرات الجيوسياسية وغير ذلك.

وأهم هذه الوكالات هي: وكالة "ستاندارد أند بورز" ووكالة "موديز" ووكالة "فيتش"

تعرضت هذه المؤسسات الائتمانية إلى العديد من الانتقادات خلال اﻷزمة المالية التي اندلعت في 2007، فقبل اندلاع اﻷزمة المالية في العام المذكور، أعطت الوكالات الثلاث تصنيفًا ائتمانيًا ممتازًا ﻷوراق الرهن العقاري اﻷمريكية، وهي أوراق دين بضمان العقار والتي اتضح بعد اندلاع اﻷزمة عجز أصحابها عن سداد ديونهم، واتضح أن هذه اﻷوراق المالية لا تساوي شيئا، وتسبب الإدراك المفاجئ لهذا اﻷمر في اندلاع أسوأ أزمة مالية منذ عقود.

لا شك في أن مصداقية وكالات التصنيف الائتماني بحاجة إلى مراجعة بعدما ثبت عدم صحة درجات التقييم التي منحتها لبعض الشركات من جهة، ونظراً لعدم حياديتها وموضوعيتها فيما تتوصل إليه من تقييم خاصة على المستوى السيادي للدول، ومن جهة أخرى، فالأزمة المالية الأخيرة التي عصفت باقتصاديات العالم كانت وكالات التصنيف سببا فيها وقد اعترفت بعض مؤسسات التصنيف مثل "موديز" بارتكابها أخطاء تتمثل في سوء تقييم خطورة سندات الرهن العقاري، وأشارت إلى أنها اتخذت إجراءات للمراقبة الداخلية بغرض تحسين طريق عملها وإصدارها للتقييم.

ويظهر انحياز هذه الوكالات في التالي:

1- قامت تركيا بقفزات اقتصادية في الفترة بين 2002- 2012، وتجاهلت هذه المؤسسات ذلك ولم يصدر أي منها تصنيف "قابل للاستثمار" بحق تركيا.

2- خلال الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008، اضطرت البنوك المركزية في الدول المتقدمة حول العالم، خلال هذه الفترة إلى توسيع ميزانيتها بأكثر من 6 تريليونات دولار، كما زادت الديون العامة لتلك الدولة المتقدمة، بنسب قياسية مقارنة بدخلها القومي، وأفلست القطاعات الخاصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وبلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، وإسبانيا وفرنسا، ورغم كل هذا لم تقم مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض درجة الاستثمار في تلك الدول إلى ما دون "قابلة للاستثمار" باستثناء اليونان.

3- في الوقت الذي كانت دول العالم تتعرض فيه لانهيارات بسبب الأزمة المالية عام 2008، تجاوزت تركيا تأثيرات الأزمة عبر خطوات هامة، لتنتقل اعتباراً من الربع الأخير لعام 2009، إلى النمو الإيجابي، إلا أن مؤسسات التصنيف أغفلت جهود تركيا في التغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية.

ومن المعلوم أن الاقتصاد التركي فاجأ وكالات التصنيف الائتماني بعد الخامس عشر من تموز/ يوليو 2016 ، لأن هذه الوكالات لم تتوقع أن ينتعش الاقتصاد التركي، ويستمر في النمو بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وصارت تركيا واحدة من بين أربع دول في مجموعة العشرين ومنظمة التعاون والتنمية تحقق أعلى مستوى من النمو.

وأجبرت تركيا وكالات التصنيف على تغيير توقعاتها بشأن نموها الاقتصادي عدة مرات، وحقق اقتصاد تركيا خلال الربعين الأول والثاني من العام 2017، نمواً بنسبة 5.4 بالمئة، في حين سجل في الربع الثالث، قفزة نوعية خالفت توقعات أكثر المتفائلين بأداء الاقتصاد التركي، إذ بلغ 11.3 بالمئة. وحقق الاقتصاد التركي معدل نمو وصل إلى 7.4 بالمئة خلال 2017.

وعلى الرغم من كل ذلك، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، في آذار/ مارس الماضي، تصنيفات تركيا السيادية إلى Ba2 من Ba1 بسبب ما قالت إنه استمرار تآكل القوة المؤسسية وتنامي مخاطر الصدمات الخارجية نظرا للعجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية.

كما حذرت وكالة "فيتش" العالمية للتصنيفات الاقتصادية، قبل يومين، من عواقب مساعي الرئيس أردوغان لتعزيز سيطرته على البنك المركزي، مؤكدة أن "السياسة النقدية في تركيا تخضع منذ وقت طويل لقيود سياسية لكن التهديد الواضح بكبح استقلالية البنك المركزي يزيد المخاطر التي تحدق بمناخ صناعة السياسات".

في حين نرى تصنيفات هذه الوكالات بالنسبة للدول الأخرى كالتالي:

- تم تصنيف إسبانيا بدرجة "BA" مع نظرة مستقبلية موجبة، رغم أن معدل الديون الخارجية لإسبانيا وصل إلى 99.3% من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل البطالة 17.1%، ولدَيها أقل من 70 مليار دولار احتياطات نقدية.

-  تصنيف اليونان بدرجة (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، رغم بلوغ معدل الدين الخارجي أكثر من 220% من إجمالي الناتج المحلي (قريبة من الإفلاس)، نمو اقتصادي 1.4% فقط في 2017، وبطالة 20%، واحتياطات أجنبية فقط 6 مليارات دولار.

-  تصنيف مصر بدرجة (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، مع أن حجم الدين الخارجي لدى مصر يبلغ 97% من إجمالي الناتج المحلي (100 مليار دولار تقريباً)، كما وصل التضخم إلى 26% مع انهيار كبير في قيمة الجنيه، وهناك حجم قروض هائل، إلى جانب غياب الاستقرار الأمني.

كل ذلك يؤكد لنا أن ارتفاع قيمة الدولار أمام الليرة التركية التي بلغت 4.92 ليرة للدولار الواحد أمس الأربعاء 23 أيار/ مايو، قرابة الساعة الواحدة ظهرا بالتوقيت المحلي، ليس مرتبطا بأسباب اقتصادية فقط، بل هناك تلاعب سياسي واضح جدًا، يمكن اعتباره "حربًا اقتصاديةً على تركيا".

عن الكاتب

ياسر التركي

مهتم بالشؤون الاقتصادية والتاريخ التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس