بيريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

ازدادت محاولات انقاذ الاتفاق النووي المبرم مع إيران خلال الفترة الأخيرة، ومع انسحاب أمريكا من هذا الاتفاق أصبحت باقي الدول في وضع محرج، إذ كانت الاتفاقية تنص على إلغاء الحصار المطبّق على إيران مقابل إيقافها لمشاريع المفاعلات النووية والباليستية، ويُزعم أن سبب انسحاب ترامب من هذا الاتفاق هو إخلال إيران للشروط المفروضة، لذلك صرّحت واشنطن بأنها تؤيد استمرار الحصار مع زيادة شدّته خلال المراحل المقبلة.

إن انسحاب واشنطن من الاتفاق ودفاعها عن استمرار الحصار ستؤثر على الشركات الأمريكية التي تسيّر أعمالها في إيران بشكل كبير، لكن في حال اتخاذ أمريكا لقرار يُفيد بأنها ستقطع علاقاتها مع الدول التي تعمل مع إيران فإن الدول الأخرى ستضطر للمقارنة بين أرابحها من السوق الإيراني وعلاقاتها مع واشنطن واختيار أحد الأطراف، ولهذا السبب صرّحت بعض الشركات الكبيرة الأوروبية بأنها قد توقف استثماراتها وتغادر الأراضي الإيرانية في حال اتخاذ مثل هذا القرار.

أدى تصريح هذا الشركات بوجود احتمال مغادرة إيران قبل اتخاذ أمريكا لأي قرار واضح إلى زيادة حدة المباحثات الجارية بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، إذ صرّحت أطراف هذا الاتفاق بأنها لن تلتزم بقرار أمريكا وستحافظ على استمرار علاقاتها التجارية مع إيران، لكن لم يكن هذا التصريح ضماناً كافياً بالنسبة إلى الشركات التجارية، لأن موافقة هذه الدول على قرار أمريكا لن يشكّل عائقاً أمام نظر هذه الشركات للسوق الإيراني على أنه آمن ومناسب للاستثمار.

من المُحتمل أن لا ترغب هذه الشركات في التدخّل بهذه المسألة، لأن الهدف الرئيس لأمريكا من هذا القرار هو معاقبة أوروبا من خلال مسألة إيران، ويجدر بالذكر أن التوتر الاقتصادي القائم بين أمريكا والاتحاد الأوروبي منذ سنوات طويلة قد اكتسب زيادة ملموسة بسبب الأوضاع الحالية.

يبدو أن ميل أوروبا للاستمرار في علاقاتها التجارية مع إيران قد تسبب في زيادة غضب ترامب، وذلك لأن واشنطن تعتبر أن إيران هي العدو الرئيس لها في الوقت الحالي، لكن يبدو أن أوروبا لن تتراجع أيضاً في هذا الصدد.

اتخذ المجلس الأوروبي في سنة 1996 قراراً يُعرف بـ "قانون المنع" من أجل حماية الشركات التجارية من العقوبات التي تفرضها أمريكا، لكن لم يتم تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، والآن بدأت محاولات تطبيق هذا القرار من جديد، لكن في حال اتخاذ أمريكا لقرار ينص على قطع علاقاتها مع الدول التي تعمل مع إيران فلا أعتقد أن أي قانون منع سيستطيع الوقوف في وجهها.

سنرى خلال الأيام القادمة إن كان هناك احتمال إعادة تنظيم الواقع الاقتصادي من خلال القوانين الأوروبية، لكن إن استطاعت أوروبا تطبيق قانون المنع على أمريكا فذلك سيؤدي إلى تغيّر مجرى الأمور، ويبدو أن ترامب قد أدرك وجود هذا الاحتمال، ولذلك وافق على اتفاقية خفض الضرائب مع الصين، ومن جهة أخرى تزعم إيران أن الدول الأوروبية لا تبذل مجهوداً كافياً لإقناع أمريكا.

تظهر التطورات الأخيرة أن ترامب يوجه الضغط نحو أوروبا والخط الأوروبي-الروسي-الإيراني من خلال فتح مجال نقل مركز العلاقات التجارية إلى الصين، في حين تحاول بعض الدول الأوروبية إقناع أمريكا من أجل الحفاظ على علاقاتها مع الطرفين معاً، كما نرى تقارب بعض الدول من روسيا في بعض الأحيان، وفي هذا الصدد لم تكن زيارة "ميركيل" للرئيس الروسي "بوتين" مجرّد صدفة، وبذلك تُصبح إيران قادرة على اختبار أمريكا أمام جميع دول العالم.

يبدو أن ترامب يسعى لإثارة الفوضى وزعزعة التوازن العالمي من خلال الأساليب الاقتصادية والعسكرية المشدّدة، وبما أن باقي الدول تحاول إقناع أمريكا بالتراجع فذلك يشير إلى أنها تؤمن بأن ترامب قادر على إثارة الفوضى والتأثير على التوازن العالمي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس