ترك برس

انتقد الدكتور ياسين أقطاي، كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نشر الأخبار المغلوطة عن تركيا والمملكة العربية السعودية في وسائل إعلام البلدين.

وقال أقطاي، في مقال بصحيفة "يني شفق" التركية، إن تركيا والسعودية أهم دولتين في العالم الإسلامي السني. كما أن التطورات الإقليمية والعالمية تربط مصير الدولتين بعض.

وأشار إلى أن التطورات التي تشهدها إحدى الدولتين تؤثر بالضرورة في الأخرى، وأي تهديد يحدق بإحداهما يحدق بالأخرى بشكل مباشر ويؤثر فيها. وأي نمو تشهده إحداهما ينعكس بشكل إيجابي كذلك على الأخرى.

وأضاف: "لهذا السبب ليس أمام هاتين الدولتين، من الناحية الاستراتيجية، أي خيار سوى تحقيق التضامن فيما بينهما بطريقة مستقلة عن حُكّامهما".

ورأى أنه "ليس من الممكن أن نقول إن الأخبار التي ينشرها الإعلام السعودي عن تركيا، والصورة التي ينقلها الإعلام التركي عن السعودية، مفرحة. وإذا ما نظرنا إلى وسائل الإعلام فقط ربما نعتقد أن هناك مشاكل كبيرة بين الدولتين لا يمكن التغلب عليها.

وتابع: "بيد أن العلاقات التركية – السعودية تواصل نموها على أعلى مستوى. وبطبيعة الحال ينبغي عدم ترك مساحات لإيجاد فرص جادة لكي يخلق ما ينقله إعلام الدولتين عقدا جديدة بين الشعبين التركي والسعودي.

وعليه، ربما يجب إعادة النظر في الوضع الحالي للعلاقات الثنائية بين الدولتين بكل وضوح وفي إطار يشهده إعلاميو كلا الطرفين".

وجاء في مقال أقطاي: لتحقيق هذا الغرض، نظمت المديرية العامة للصحافة والنشر والإعلام في تركيا "الملتقى الإعلامي التركي – السعودي" بمشاركة عدد كبير من الإعلاميين الأتراك والسعوديين، كما شارك بالملتقى السفير التركي في الرياض أردوغان كوك والسفير السعودي في أنقرة وليد الخريجي مع كامل أعضاء البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين.

ومعروف عن الخريجي أنه دبلوماسي سعودي صديق لتركيا ومنشغل دائما بتطوير العلاقات بين البلدين ومحاولة إصلاح مشاكل التفاهم بين الدولتين بشكل حقيقي. وهو يخبرني في كل لقاء يجمعني به أنه منزعج من الأخبار المغلوطة التي تنشرها وسائل الإعلام في كلا البلدين. وهو يعمل بإخلاص تام لإصلاح هذا الوضع.

وخلال الكلمة التي ألقاها خلال هذا الاجتماع كذلك سرد أمثلة مثيرة حول الأخبار التي ينشرها الإعلام التركي عن السعودية؛ إذ قال:

"فعلى سبيل المثال، حاول البعض تفسير الأخبار التي تتحدث عن مستوى المشاركة السعودية في القمتين الإسلاميتين الطَارئتين حول القدس في إسطنبول على أنها دليل على التباعد الحالي بين البلدين. حتى أن البعض فسرها على أن الرياض لم تول تركيا والقمة الأولى التي استضافتها الأهمية اللازمة.

بيد أن من شارك في القمة من الجانب السعودي كان الوزير المسؤول عن شؤون منظمة التعاون الإسلامي؛ إذ كانت مشاركته مناسبة أكثر من مشاركة وزير الخارجية، واختيار المملكة كان إشارة على أن المملكة تهتم بهذا المؤتمر على أعلى مستوى. لكن هذا الأمر جرى تصويره بشكل مغاير.

وبالرغم من ذلك وضعت هذه الانتقادات في الاعتبار وشاركت السعودية في القمة الأخيرة على مستوى وزارة الخارجية التي – في حقيقة الأمر – لا تحمل الأهمية ذاتها. هذا فضلا عن أن عدم مشاركة الملك سلمان بنفسه في اليوم الذي عقدت فيه القمة الأولى كان مصادفة ذلك الحدث لافتِتاح المجلس الاستشاري الذي يحدث مرة في العام. فذلك الاجتماع كذلك كان يحمل أهمية كبيرة".

ولنفهَم الأمر بشكل أفضل، عرض الخريجي مثالا آخر حول عدم مشاركة الرئيس أردوغان العام الماضي في قمة إسلامية استضافتها السعودية بحجة انعقاد المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، مضيفا أن أحدا لم يفكر بأن أردوغان لم يول اهتمامه بهذا الاجتماع.

لقد نجح هذا الحوار في التفكير في آن واحد بالأفكار المنتشرة في كلا البلدين، ليكون قد شهد تحقيق شيء آخر؛ إذ تمت مناقشة هذه المشاكل انطلاقا من الإقرار بوجود مساحة بدون مشاكل جنبا إلى جنب مع أسباب انعكاس العلاقات الثنائية بين الدولتين على وسائل الإعلام بهذا الشكل.

وفي الحقيقة شهدت العلاقات التركية – السعودية تطورا مطردا خلال عهد حزب العدالة والتنمية حتى تاريخ الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في يوليو/تموز 2013. وعندما أضيف الخلاف بين البلدين حول قضية قطر إلى الخلاف القائم بينهما أصلا بسبب مواقفهما المختلفة بشأن ما حدث في مصر، لم يعد من الممكن أن تستمر العلاقات بشكل طبيعي كما كانت في السابق.

وفي الواقع، بذلت تركيا جهودا جبارة حتى لا يكون موقفها من الانقلاب العسكري الدموي الذي حدث في مصر واختلافه مع موقف السعودية وسياستها عنصرا يؤثر سلبا في العلاقات الثنائية بين البلدين. ورأت أنقرة أنه يمكن مواصلة التعاون في مجالات أخرى، واهتمت بتطوير ذلك التعاون، هذا بالرغم من أن الانقلاب العسكري في مصر أضر بشكل مباشر بمصالح تركيا.

لا يخفى على أحد أن العلاقات تراجعت بشكل كبير بسبب موقف أنقرة من أزمة قطر التي شهدها الخليج العام الماضي. وقد أعلنت السعودية صراحة أن تركيا خسرت دورها كوسيط بين البلدين بسبب موقفها المؤيد لقطر. ولهذا السبب فإن الإعلام السعودي ينشر كل أخبارا تزيد من جرعة النقد، وحتى الهجوم، ضد تركيا.

ومن الواضح للغاية أن من يسوقون هذه الانتقادات لم يفهموا جيدا موقف تركيا وتصرفاتها. وقد أعلنت تركيا منذ البداية أن موقفها الدفاعي عن قطر ليس موقفا معاديا للسعودية. ويجب على من يتوقعون الحياد من تركيا أن يقدروا ضرورة أن يبقى الطرفان على قيد الحياة بشكل متناسق من أجل إمكانية إظهار هذا الحياد.

وكان يجب أولا منع طرف كبير عزم على تدمير الطرف الآخر تماما. وحينها يكون من الممكن التوسط من أجل مناقشة المشاكل ومحاولة وضع حلول لها. فبعدما يتم تدمير أحد الطرفين، لا يعد هناك حاجة للتوسط، وكذلك إظهار أي حياد.

ما تفعله تركيا هو الحيلولة دون أن يتسبب نزاع بين إخوة في وقوع ظلم لا رجعة فيه. وربما لو لم تكن تركيا فعلت هذا لكان قد فعله آخرون بعيدون كل البعد عن ديننا وثقافتنا ومنطقتنا في مقابل ثمن باهظ. ويجب علينا جميع أن نتذكر ما تسببت به الحماية التي فعلوها في الكويت ضد العراق.

ثمة عدة عناصر تؤثر في العلاقات التركية – السعودية: الولايات المتحدة، إيران، قطر، مصر، جماعة الإخوان المسلمين، التاريخ.

في السياق، يرى الكاتب والإعلامي السعودي البارز "جمال خاشقجي"، في حوار سابق مع "ترك برس"، أن العلاقات التركية العربية كانت تسير بشكل صحيح، وهي مختلفة من دولة لأخرى. فتركيا لديها علاقات اقتصادية ممتازة مع الجزائر وتونس والمغرب وحتى الأردن صار بينهم علاقات قوية وألغي اتفاق ودشّنوا بديلا له والعلاقات التركية السودانية جيدة وأخذت بعداً آخر.

وبحسب خاشقجي، فإن العلاقات التركية السعودية تمر بحالة من التبريد المتعمد من قبل المملكة، وهو نتيجة الموقف السعودي القلق من الإسلام السياسي، وشعورها بأن تركيا داعم أو شريك وربما باعتبارها نفسها تجسد الإسلام السياسي، ويمكننا أن نقول إن العلاقات بينهما اليوم باردة ولكنها لم تنقطع ولا تزال شعرة معاوية تميز علاقة المملكة بتركيا.

وأضاف: "لا تزال العلاقات بين البلدين جيدة بدليل أنه عندما سرب الإعلام المصري حديث الأمير محمد بن سلمان عن محور الشر بذكرهم تركيا - بغرض الوقيعة - سارعت السفارة السعودية في أنقرة ونفَت ذلك وأكدت أنه لم يقصد تركيا، بل قصد الإخوان المسلمين. وهكذا تعاملت تركيا مع الموقف بشكل إيجابي وتجاوزته لأن البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض".

في حين يُشير الكاتب محمد قدو أفندي أوغلو، في مقال بـ"ترك برس"، إلى وجود مغرضين "لا يحلو لهم رؤية تطور علاقات بين دولتين مركزيتين مهمتين بالشأن الإقليمي والإسلامي ومؤثّرتين بصورة مباشرة وقوية في سلسلة أحداث الساحة الإقليمية والإسلامية".

ويُضيف الكاتب: "الملك سلمان هو من يعرف متى يستوجب البدء بوضع قاطرة العلاقات في سكّتها، ومن الطبيعي أن الرئيس أردوغان يترقب توقيت ذلك، لكن ينبغي على الإعلاميين الأتراك والسعوديين إنشاء غرفة عمليات مشتركة مهمتها إخماد النيران التي تشب بصورة مفاجئة والتي مصدرها اختلافات وجهات النظر في الشؤون الإقليمية والخارجية فقط، أما علاقاتهما بينهما فمن الممكن وصفها بما يناسبها وما يستحقها من مدح وتبجيل".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!