حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

اكتسب موقف واشنطن تجاه طهران وضوحاً أكبر من خلال التصريح الصادر عن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، إذ قال: "سيتم تطبيق عقوبات لم تشهدها الحكومة الإيرانية على مدى تاريخها"، وبذلك يتوضّح أن المسألة بالنسبة إلى أمريكا لا تقتصر على الاتفاق النووي فقط، ويمكننا رؤية إصرار الأخيرة على وضع إيران في لوحة الأهداف، ولذلك تضع مسألة الاتفاق النووي مبرراً لخطتها الرئيسة، وبالتالي يتم فرض شروط صعبة جداً على إيران، وبطبيعة الحال لن توافق الأخيرة على هذه الشروط مما سيتيح المجال أمام واشنطن لزيادة الضغط على طهران بحجة أنها لا تلتزم بشروط الاتفاق النووي.

كان الاتفاق النووي الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" عائقاً كبيراً أمام إيران، لأن الأخيرة لن تستطيع امتلاك السلاح النووي مع استمرار هذا الاتفاق، وقد كانت مدة صلاحية هذا الاتفاق تتمثّل في خمسة سنوات، لكن كانت هذه الشروط عبارة عن محاولة اكتساب المزيد من الوقت، أي إن إيران لن تستطيع صناعة السلاح النووي حتى بعد 15 عاماً، لكن يبدو أن الرئيس الحالي "ترامب" يرى هذه المسألة بمنظور مختلف عن نظيره السابق.

يبدو أن موقف إيران تجاه الاتفاق النووي يستند إلى أسباب بسيطة أكثر مثل العداوة الإيرانية-الأمريكية في عهد أوباما، لكن نظراً إلى الإشارات التي يتم توجيهها لإيران من قبل أمريكا يمكننا رؤية أن الأخيرة لا تعطي اهتماماً كبيراً لهذا الاتفاق، إذ تحدّث بومبيو عن تغيير نظام الحكم في إيران، في حين أن إيران كانت تؤمن بأنها ستحصل على بعض الراحة من خلال هذا الاتفاق حتى وإن لم تستطع صناعة السلاح النووي، كان إيران بعيدةً جداً عن مجال التطوير الباليستي، ولذلك حاولت أن تحافظ على تقدّمها المكاسب الاقتصادية والعسكرية التي حققتها في الشرق الأوسط، وبذلك نلاحظ أن المسألة لا تقتصر على السلاح النووي بالنسبة إلى إيران أيضاً، لكن لم يكن هذا الاتفاق كافياً لحصول إيران على بعض الراحة، لأنها لم تتمكّن من تأسيس أجواء أمان على الرغم من جميع محاولاتها في هذا الصدد.

كانت بعض الدول الأوروبية تنوي للاستثمار في إيران، ولكنها لم تجرؤ على الدخول إلى السوق الإيراني بسبب هذه المشاكل الأمنية، وكانت الأخيرة تتوّقع انتهاء هذه المشكلة مع مرور الوقت، ولكن ازداد هذا الاحتمال ضعفاً منذ قدوم ترامب إلى السلطة، والآن أصبح هذا الاحتمال أمراً مستحيلاً، ولذلك فإن الدول الأوروبية لن توافق على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وكذلك لن تلجأ للتعاون مع إيران بما يخالف مصالح أمريكا، ولذلك ستضطر الدول الأوروبية للانتظار إلى أن يتم إيجاد حل لهذه الأزمة.

ستسعى إيران لاستغلال هذه النقطة، وتحاول دفع الدول الأوروبية للتدخّل في المسألة، إذ لا يمكنها اكتساب المزيد من الوقت سوى بهذه الطريقة، مع التذكير بأنها لا تستطيع اكتساب شي آخر سوى الوقت بهذا الأسلوب، وفي هذا السياق ستقدّم إدارة ترامب اتفاقاً أكثر صعوبةً من سابقه لإيران، ورأينا أن المسألة لا تتعلق بالصناعة النووية، لذلك ستحاول إيران تحديد إطار هذا الاتفاق حول مسألة السلاح النووي فقط، ويبدو أن الأخيرة قد تخلّت عن فكرة السلاح النووي بسبب العقوبات المفروضة عليها، وركّزت اهتمامها على مكاسبها في الشرق الأوسط فقط، وستوافق على جميع الشروط المقدّمة لها من أجل الحفاظ على هذه المكاسب.

يبدو أن أمريكا تهدف لشيء آخر من خلال هذه الخطوات، لكن لا أعتقد أنها تملك خطة استراتيجية واضحة من أجل الوصول لغايتها، على سبيل المثال إلى أي درجة ستحاول دفع إيران للتراجع؟ ما هي المناطق التي تشمل هذه الخطة؟ اليمن؟ أم سوريا؟ أم العراق؟ أم جميعها معاً؟ ما هي القوى التي ستتحالف معها في هذا الصدد؟ يبدو أن أمريكا لم تجر حسابات كافية فيما يخص هذه المسألة.

ستستمر  تغيّرات السياسة اليومية في تغيير موقف إدارة ترامب، وعلى الرغم من رغبة إسرائيل في رؤية سوريا ولبنان ضمن أحداث هذه المسألة إلا أن تركيز أمريكا سيكون حول ضم العراق أولاً لهذه الخطة، لأن الانتخابات العراقية المقبلة اكتسبت واقعيةً أكبر خلال الفترة الأخيرة، ونشأ احتمال تأسيس تحالف جديد معارض لإيران، مما دفع أمريكا للتدخّل والبدء في إجراء المفاوضات، لذلك يبدو أن الحكومة العراقية الجديدة ستكون أكثر تقارباً مع واشنطن من السابق، وبذلك قد يميل مركز الصراع السياسي العالمي نحو العراق، لكن يبدو أن سوريا ستبقى مركزاً للصراع العسكري العالمي في الفترة الحالية، إذ تستمر الحرب الداخلية في سوريا، وطبيعة الظروف السورية في الوضع الحالي مناسبة جداً لفتح مجال القضاء على إيران أمام أمريكا من خلال حروب الوكالة، لكن لا يمكن لأمريكا تحقيق ذلك بالتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي، ويتوجّب على واشنطن التوجّه للتعاون مع مجموعات المعارضة السورية للوصول إلى هذه الغاية.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس