محمود عثمان - الأناضول

الإصلاحيون جيل الشباب، رواد التجديد، قادة التغيير.. هكذا كان يحلو للصحافة (السكولار seküler ) التركية والعالمية وصف رجب طيب أردوغان ورفاقه، عندما قادوا حركة التجديد والإصلاح في حزب الفضيلة، الذي كان يتزعمه المرحوم نجم الدين أربكان، قبل أن يقوموا بتأسيس حزب العدالة والتنمية.

في الأيام الأولى لتأسيس حزب العدالة والتنمية، عندما كان زعيم الحزب رجب طيب أردوغان يصرح قائلا:" أنا تغيرت .. وخلعت ثوب المللي جوروش Milli Görüş" .. "حزب العدالة والتنمية ليس حزبا دينياً ولا إسلامياً ، وليس لدينا أي مشروع ديني" .. "هدفنا الوحيد خدمة شعبنا ووطننا من خلال العمل السياسي".

كانت صفحات الصحافة العالمية تكتظ بالمقالات المادحة، والتحليلات المليئة بالإطراء والثناء على أردوغان وحزبه، حتى إن رئيس وزراء إيطاليا يومها سيلفيو برلسكوني كان يعتبر أردوغان رائد التغيير في أوربا، وكانت تربطه به صداقة شخصية دفعته لحضور عرس ابن أردوغان. كما كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يعتبر أردوغان رمز النضال وقائد التغيير في الشرق الأوسط.

استمرت العلاقات الوطيدة بين تركيا والغرب سنوات عديدة، تمكنت تركيا خلالها، بقيادة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، من الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، التي خلفتها حكومة بولنت أجاويد الائتلافية، ووضع حجر الأساس لاقتصاد قوي متين، صمد في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، التي عصفت بالعالم أجمع، وكلفت الولايات المتحدة ما يقارب التريليون دولار.

لكنها مرت مرور الكرام من جانب الاقتصاد التركي، الذي تعافى وتماثل للشفاء، وبات محصناً ضد الأزمات. رافق النجاح الاقتصادي الكبير الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية، نجاح سياسي غير مسبوق، إذ فاز حزب أردوغان بجميع الانتخابات التي جرت منذ تأسيسه حتى اليوم، ولم يتراجع إلى المرتبة الثانية رغم مرور 16 عاما على تسلمه مقاليد السلطة في تركيا.

وكنتيجة طبيعية للنجاحات الكبيرة على مسارات عديدة، المسار السياسي والاقتصادي والخدمي، تمكن حزب العدالة والتنمية من تبوء المركز، مركز الدولة التركية، وليس السلطة فقط، ما مكنه من إجراء تغييرات جذرية على النظام السياسي في تركيا. إ

فقام بتغيير شكل الحكم من برلماني وزاري إلى رئاسي، إلا أن تبوء حزب العدالة والتنمية لموقع المركز، كان يمثل خطا أحمر، عند النظام المؤسس، أو ما يسمى بالدولة العميقة داخليا وخارجيا.

الا أنه كان من الطبيعي في ضوء نجاحاته أن يكون للحزب كلمته وبصمته على على قلاع الدولة، الواحدة تلو الأخرى، من المحكمة الدستورية، إلى مجلس القضاء الأعلى، إلى مجلس التعليم العالي، وصولا لرئاسة الجمهورية. عقب انتخاب عبد الله غل رئيسا للجمهورية مباشرة، دق ناقوس الخطر داخليا وخارجياً. فبدأت الهجمات المضادة، بقيام المحكمة الدستورية العليا، بفتح دعوى قضائية تطالب بإغلاق حزب العدالة والتنمية،. ثم تبعتها محاولة اعتقال هاكان فيدان رئيس المخابرات، تمهيدا لإصدار أمر باعتقال أردوغان نفسه. جميع هذه العمليات كان يقوم بها قضاة، ينتسبون للكيان الموازي / الدولة العميقة، خلال فترة مناوبتهم ليلا !.

لماذا قلب الغرب لأردوغان ظهر المجن؟

أردوغان الاصلاحي العصامي المناضل رائد التجديد، لماذا تحول فجأة إلى دكتاتور؟

مجلة "لوبوان Le Point" الفرنسية وضعت صورة الرئيس أردوغان على غلافها الخارجي وكتبت فوق الصورة كلمة " دكتاتور" بالخط العريض !.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتبر أنه "من غير المقبول إطلاقا" إزالة ملصقات دعاية لمجلة "لو بوان"، التي تصف في غلافها الرئيس التركي أردوغان بـ"الديكتاتور"، من أكشاك الصحف "كونها لا تروق لأعداء الحرية".

وكتب في تغريدة، على تويتر، أن "حرية الصحافة لا تقدر بثمن، فمن دونها ستكون هناك ديكتاتورية.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قالت من جانبها إن الحكومة التركية تنتهج سياسات عدة من أجل الضغط على وسائل الإعلام المستقلة في البلاد، في محاولة لكتم الصوت المناوئ لها.

وكتبت الصحيفة الأميركية في تقرير لها، عما اعتبرته أشكالا الضغط الذي يتنوع بين الاعتقال وحجب الإعلانات والمواقع ومحاولة شراء الصحف وإغلاق وسائل الإعلام.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس