ترك برس

التقي وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، نظيره الأمريكي مايك بومبيو، اليوم الاثنين، في واشنطن، لبحث قضايا عدة أبرزها إخراج "ب ي د/ي ب ك" من منبج السورية، وإعادة زعيم تنظيم "غولن" الإرهابي.

وجرى اللقاء في ظل التوتر السائد بين البلدين، الذي بدأ يتصاعد منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة ليلة 15 يوليو/تموز 2016، حيث وجَّهت السلطات التركية أصابع الاتهام لفتح الله غولن، القاطن بالولايات المتحدة الأميركية. وقد طالبت أنقرة السلطات الأميركية في العديد من المناسبات بتسليمها إياه، إلا أن واشنطن لم تستجب لهذا المطلب، لتتبعها سلسلة أحداث أدت إلى زيادة الفجوة بين أنقرة وواشنطن.

العبارة الأكثر ظهوراً في مسار الأزمة هي تهديد أنقرة بإغلاق قاعدة "إنجرليك" العسكرية الأميركية الموجودة على أراضيها، نتيجة ما تراه سياسةً عدوانيةً تنتهجها الولايات المتحدة تجاهها، ويكرر المسؤولون الأتراك أن إغلاق القاعدة من المطالب التي ينادي بها الشعب التركي.

وكان كان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو قد قال خلال لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات التركية، "نحن نحاول إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. ولتحقيق ذلك وتطبيع العلاقات، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات جدية فيما يتعلق بمدينة منبج وتسليم غولن والنظر في العديد من المسائل العالقة الأخرى. وعندما يتعلق الأمر بهذه المسائل، يطالب شعبنا بإغلاق قاعدة (إنجرليك) إذا أبت واشنطن التعاون معنا. في الأثناء، نملك المزيد من الأوراق الرابحة، التي من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة إلى التمسك بتركيا باعتبارها حليفاً، في الوقت الذي ننتظر فيه أن تتراجع واشنطن عن خطواتها الخاطئة".

ويكنُّ الشعب التركي بعض المشاعر العدائية لأميركا، في حين تشاركه السلطات الرسمية بأنقرة الشعور ذاته.

وفيما يتعلق بمدينة منبج، قال جاويش أوغلو إن بلاده لم تطالب الولايات المتحدة الأميركية بالخروج من منبج في شمال سوريا؛ بل بإخراج عناصر "ب ي د/ي ب ك" منها، مبيناً أن "الولايات المتحدة الأميركية تشعر بقلق؛ بسبب تعاونها مع ب ي د/ي ب ك، ورهانها على هذا التنظيم الإرهابي"، على حد وصفه.

المحلل السياسي ديمتري رودينوف، رئيس مركز الدراسات الجيوسياسية بمعهد التنمية المبتكرة في موسكو، قدَّم القراءة الروسية للأزمة، وتساءل عن تأثير إغلاق القاعدة الأميركية على روسيا، وفقاً لما أورده موقع "عربي بوست".

ويرى المحلل الروسي فلاديمير موجيغوف أن "المسألة الكردية" تعتبر من القضايا ذات الأولوية بالنسبة لتركيا. لكنها، ومن منظور أميركي، تعد جزءاً لا يتجزأ من علاقاتها بإسرائيل؛ نظراً إلى أن الأكراد يُعتبرون بمثابة الحليف الرئيسي لتل أبيب، وعدو بارز بالنسبة العالم العربي، وضمن ذلك تركيا. وقد أسهم ذلك في تعميق حدّة الصراع، والعجز عن العثور على حل يُرضي جميع الأطراف.

في أواخر أبريل/نيسان 2018، أعرب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن نيتهم إعاقة عملية تسليم الجيل الخامس من مقاتلات "إف-35″ لتركيا. ويعزى ذلك إلى اعتقال السلطات التركية القس الأميركي أندرو برونسون، المتهم بربط علاقات مع زعيم تنظيم "غولن" الإرهابي.

ورداً على ذلك، هددت السلطات التركية بشراء مقاتلات "سو-57″ الروسية بدل المقاتلات الأميركية.

في السياق ذاته، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي ويس ميتشيل، أن شراء أنقرة منظومة صواريخ مضادة للطائرات طراز "إس-400″، سيؤثر سلباً على عملية تسليح تركيا بمقاتلات "إف-35″ الأميركية، مع العلم أن عقد الشراء قد وُقِّع في سبتمبر/أيلول 2017.

أيضاً هدّد محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض لانتخابات الرئاسة التركية المرتقبة في يونيو/حزيران 2018، بإغلاق القاعدة نهاية 2018، إذا لم تسلّم واشنطن "غولن".

وتعددت التهديدات التركية بشأن إغلاق القاعدة العسكرية الأميركية "إنجرليك"، حيث لا تعتبر التصريحات التي تواترت في الآونة الأخيرة هي الأولى من نوعها. وقد بادرت السلطات التركية بوضع قيود مقابل حرية الوصول إلى القاعدة، مباشرةً عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.

في هذا الصدد، أفاد المحلل السياسي إيغور ريابوف بأنه "لو لم تكن أنقرة على يقين بأن التهديد بإغلاق القاعدة العسكرية يمثل أداة ضغط سياسية قوية، لبادرت بإغلاقها منذ زمن بعيد".

ويمكن تفسير الصمت الولايات المتحدة تجاه تركيا على أنه سياسة آمنة تتبعها واشنطن رداً على تصريحات المسؤولين الأتراك.

حال وقوعه، يعد إغلاق "إنجرليك" بمثابة هزيمة كبيرة تحمل في طياتها أبعاداً رمزية مختلفة. كما تعتبر خسارة جيوسياسية فادحة بالنسبة للولايات المتحدة، التي خططت لتعزيز مكانتها في تركيا عبر هذه القاعدة، إلا أن المحاولة الانقلابية حالت دون تحقق هذا المخطط.

وتحتل تركيا موقعاً استراتيجياً بارزاً في أوراسيا. وبالنسبة لواشنطن، أسهمت سلسلة القواعد العسكرية عبر تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان، في خلق جدار جيوسياسي ضد روسيا. ومن أجل ضمان استمرار هذا الجدار الجيوسياسي في العمل، تحتاج واشنطن إلى تدمير إيران. وللقيام بذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تركيا ضمن قائمة حلفائها.

كما يمكن للتحالف بين تركيا وروسيا وإيران تغيير الوضع في الشرق الأوسط وبشكل جذري، وممارسة ضغط على الموقف الأميركي والإسرائيلي. ومن ثم، من الممكن إحلال السلام في المنطقة وتجنُّب حرب عالمية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!