عثمان جان  - صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

دفاع الشخص عن محتويات جمله للتعبير عن نفسه يختلف تماما عن دفاعه عن حرية التعبير عن نفسه، لأن الأول سيدافع عن أنّ محتوى تعبيره "صحيح"، أما الآخر فلا علاقة له بالمحتوى، وإنما مجرد التعبير عن نفسه مهما قال سيعرضه للظلم وللبطش.

الدفاع عن آلية التعبير عن النفس ليس له علاقة بمبدأ الدفاع عن الحرية، لأنكم في الحقيقة تدافعون عن رؤيتكم الشخصية، وعن عقيدتكم ورؤيتكم الثقافية، لهذا فإنّ دفاعكم عن تلك الأمور ليس دفاعا عن الحرية، وإنما دفاعا عن العدل وعن الحقوق.

بينما الدفاع عن حرية التعبير بشكل عام، هو دفاع عن الحرية، فالدفاع هنا لا يقتصر على وجهة النظر الشخصية والعقيدة الفكرية، وإنما دفاع عن حرية التعبير لكل الأطياف والفئات والأحزاب والأعراق والأجناس وبكل الطرق الممكنة.

الحياة هي عبارة عن نتائج لاختياراتكم وترجيحاتكم، فلا يوجد حرية في مكان لا تضمن للفرد فيه حرية الاختيار، لأنه حينها لا يوجد فرد، ولا يوجد مسئولية، ونتاج ذلك عدم وجود حرية، بل ستتواجد العنصرية، وستنعدم المساواة، لذلك فإنّ الدفاع عن حرية الاختيار ضرورة للدفاع عن الموقف التحرري، لكن ذلك مستقل عن الدفاع عن طبيعة وشكل ولون الاختيار.

في المكان الذي يتم فيه إهمال تلك الحقيقة، تتحول المعركة من دفاع عن الحرية، إلى دفاع عن العنصرية والتمييز، لأن الحرية ترتكز على مبدأ أخلاقي يتمثل بالتالي: لن تقوم بفعل شيء للآخرين، تكره أن يقوم الآخرون به تجاهك.

ولنضيف قاعدة أخلاقية أخرى لهذا الموضوع، وهي أنّ قبولك بوقوع فعل عليك، لا يعني أنّ لك الحق بالقيام به تجاه الآخرين، فهذا جانب آخر من جوانب محتوى الاختيار.

إذا رفضتم اختيارات الطرف الآخر، فعليكم تحمّل رفض الآخرين لاختياراتكم، وإذا رفضتم أنْ يتم نقاش اختياراتكم، فلا يحق لكم التقليل من شأن اختيارات الآخرين، لأن عدم مقدرة الطرف الآخر على عمل مثل ما تقومون به، يعني أنه لا يوجد حرية.

بعد كل هذا الحديث، نصل إلى نتيجة مفادها أنّ الذين وقفوا ضد الهجوم الذي حصل على صحيفة شارلي إيبدو، وقفوا من موقف تحرري، والدفاع عن حرية نشر الرسوم الكاريكاتورية أيضا هو موقف تحرري أيضا.

لكن الدفاع عن تلك الرسوم الكاريكاتورية ومحتواها، بل ودعمها، واعتبارها أنها سليمة ولا شيء فيها، لا ينطوي تحت إطار الحرية، لأنّ الدفاع عن تلك الرسوم ومحتواها يعني وقوفكم بنفس المستوى تماما مع صحيفة شارلي إيبدو، وعليكم تحمّل نفس النتائج التي ستحصل لكم.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أنّ الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة شارلي إيبدو، كان هدفها إهانة رمز مقدس عند ما يزيد عن مليار مسلم، وهو إهانة لاختيارات هؤلاء، وهذا يعكس تمييزا عنصريا، ربما هو انعكاس للشعور بـ"عرق أوروبا الأبيض".

الدفاع عن محتوى الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها تلك الصحيفة، والتي أهانت فيها رمزا مقدسا عند مليار مسلم، يعني أنّ عليكم الدفاع أيضا عن محتوى ردة الفعل المتوقعة من هؤلاء المسلمين، لأن اختيار بعضهم هو اختيار كره وحقد للغرب، كما الغرب احتقر المسلمين بالمساس برمز من رموزهم، لأن إهانة المسلمين لا تعني حرية تعبير، وإنما تعني تمييز وعنصرية وفوقية.

لكن في المقابل، كوْن صحيفة شارلي إيبدو وما تقوم بها لا ينطوي تحت شعار حرية التعبير، وكونها صحيفة منحطة تستحقر الناس وتهزأ بهم، لا يبرر ذلك الهجوم الدموي الذي حصل عليها، ولا يبرر تعرضهم للإجرام الذي حصل.

وهنا لا بد لصحيفة الجمهورية التابعة لحزب المعارضة، أنْ تتوخى الحذر في إعادة نشر مثل تلك الرسوم الكاريكاتورية، لأنهم بذلك يتساوون تماما مع صحيفة شارلي إيبدو المنحطة، واعتقد أنهم يفتقدون للمسئولية ولا يقومون بذلك عن وعي، ولا يدركون تبعات ذلك، لذا عليهم التصرف بصورة أكثر منطقية وعقلانية.

عن الكاتب

عثمان جان

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس