جميل إرتم – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

اليوم اتضح بالضبط الأهمية الإستراتيجية للانقلاب العسكري في مصر الذي حصل في شهر تموز عام 2013، فالانقلاب لم يكن عشوائيا، وإنما كانت عملية كبيرة ومدبرة، لتحقيق أهداف إستراتيجية.

هذه العملية بدأت في تركيا مع اضطرابات "غزي بارك" التي حدثت في شهر مايو من نفس العام 2013، لهذا نستطيع القول بدون شك، إنّ الانقلاب الذي حصل في مصر بدأ في تركيا، ويستمر الآن ضد تركيا الجديدة. وسنتحدث عن هذه العملية الموسعة، لكن دعونا أولا نمر سريعا بالأحداث العالمية التي رافقت الانقلاب في مصر.

منذ أنْ وضعت الدول العربية "الصغيرة" الغنية بالنفط والدولار يدها مع السيسي، قطعت علاقتها فورا مع تركيا، وفجأة أوقفت كل استثماراتها في تركيا، ونسوا كل الوعود والاتفاقات المبرمة...والسؤال المطروح، هل هناك أمور إيجابية جدا قدمتها مصر لأولائك الأغنياء ولم تستطع تركيا أنْ تقدم مثلها؟

الانقلابيون دائما يمتازون بالغباء، فعقلهم الاستراتيجي الآن هو السلاح، واستثمارات الطغمة المالية التي تجري في الغرف المظلمة في لندن والتي تفوح منها رائحة الدم والدولار. لهذا فإنّ السيسي غبي ومتكبر.

السيسي لا يملك التفكير والذكاء من أجل الذهاب إلى دول الخليج وضمها إلى جانبه واحدة تلو الأخرى، هذه الذهنية تتواجد لدى عصابة التنظيم الموازي التي توجد عندنا.

بكل تأكيد نحن ندرك أنّ القوة ذاتها التي تقف خلف التنظيم الموازي، تقف أيضا خلف الانقلاب في مصر، وهي ذاتها التي حاولت الانقلاب في تركيا خلال ديسمبر 2013، وهي قوة المحافظين الجدد الصهيونية. وبعد تشكل الإسلاموفوبيا وازديادها بعد هجوم باريس، فإنّ الهدف القادم سيكون تركيا، وخصوصا اردوغان، وأيضا سيقومون بتعزيز حُكم السيسي، ليكون هو النظام الأقوى القائم في المنطقة، والذي لا غنى عنه من أجل تحقيق مصالحهم.

السعوية، الإمارات، الأردن وقطر

تُعتبر السعودية والإمارات العربية المتحدة تحت سيطرة تلك القوة التي انقلبت على الرئيس مرسي، وحاولت الانقلاب على حزب العدالة والتنمية في تركيا. أما قطر، فقد اختلفت رؤيتها منذ الانقلاب في مصر عن رؤية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكنهم الآن يعملون جاهدين من أجل إرجاع قطر إلى موضعها الملائم لهم وهو أنْ تكون بجانب مصر والسعودية والإمارات خصوصا بعد حادثة باريس، وهم فعليا نجحوا جزئيا في ذلك، حيث ما قيل لقطر هو التالي:"نحن نضرب كل دولة حتى فرنسا، عندما تحاول الابتعاد عن السياسة الإسرائيلية في المنطقة، وقريبا سنضغط على تركيا بطريقة خانقة –مثلا ستجد السفن التركية صعوبة بالغة في عبور قناة السويس-، وحينها سيضطر اردوغان للاختيار بين خيارين، إما الانضمام لنا وإما السقوط، لهذا لا تلعبوا بصورة خاطئة يا قطر".

وهنا ستعمل كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل، والآن قطر على فرض حصار، وسيُطلب من مصر تضييق الخناق علينا في تجارتنا وطاقتنا القادمة من إفريقيا والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. وبكل تأكيد سيتم إكمال هذه الجبهة عن طريق قبرص الرومية وكذلك من قبل الاتحاد الأوروبي، ولذلك هم ينتظرون الآن انتهاء انتخابات يونان التي ستكون في 25 يناير الحالي.

وقد تم تحديد مهمة كل دولة من تلك الدول في جبهة الحرب هذه، فدول الخليج ستقدم مئات الملايين من الدولارات لإسرائيل من أجل تطوير الأسلحة التكنولوجية الحديثة لضمان بقائها قوية في المنطقة. أما مصر فستنفتح أكثر على الخارج من أجل تصدير مصادر الطاقة منها إلى الخارج، وسيتم فتح فرص عمل أكثر للمحرومين العرب والفلسطينيين داخل الأردن، من أجل امتصاص روح الربيع العربي والحالة المأساوية التي تعيشها الأردن، وستطوّر كل من السعودية والإمارات علاقاتها الاقتصادية والسياسية بلندن وواشنطن.

ماذا يريدون أن يعملوا؟

لن يكتفوا بتشكيل هذه الجبهة لحصار تركيا، وإنما سيضيفون عليها تأجيج القضية الكردية، ومنع حلها حلا نهائيا حتى تبقى تنخر تركيا من الداخل، وفي نفس الوقت، سيعززون زرع الإسلاموفوبيا في نفوس الناس، وسيرتكبون بعض الجرائم كالتالي حصلت في باريس، من أجل وضع اردوغان ضمن نفس الخط بطريقة أو بأخرى.

بمعنى آخر، يريدون تحقيق انقلاب "صامت" على اردوغان خلال المدة ما بين 2015-2019، بعدما فشلوا في تحقيق انقلاب واضح المعالم بافتعالهم لأحداث غزي بارك، وبمحاولة الانقلاب في ديسمبر 2013، فبتشكيل الجبهة التي تحدثنا عنها سيحاصرون تركيا حتى سقوط اردوغان.

هل سيحصل ذلك؟

بالطبع لا، لعدة أسباب. أولا وكما تلاحظون نستطيع قراءة ما يخططون له، ونستطيع كشف مخططاتهم. وثانيا، لن يستطيعوا بعد الآن الضغط على تركيا اقتصاديا، وفرضيات تضييق الخناق على تركيا من خلال قناة السويس لن يكون مجديا. ولعلهم سيدركون يوما أنّه لا يوجد مكان في العالم يستطيعون الوصول إليه سوى عن طريق العبور من مضيق البوسفور.

ثالثا، مهما فعلت هذه الجبهة، لن تستطيع منع دول القوقاز من فتح أنابيب جديدة للطاقة والغاز ما بين طرق الطاقة الروسية الشمالية، وبين الخطوط التي ستفتحها إيران لربطها بتلك الخطوط، وبإدخال الصين في المعادلة، نستطيع القول أنّ هناك طريق تجاري عالمي كبير جدا سيكون كطريق الحرير الذي كان في الماضي.

انتخابات 25 يناير في اليونان ستحدد أيضا وضع الاتحاد الأوروبي النهائي، لأن الاتحاد الأوروبي لن يستمر بهذا الشكل، وكما قلت، فإنّ المجزرة التي حصلت في باريس لها هدفان، الأول، هو إضفاء صفة الشرعية على الانقلاب في مصر، وحصار تركيا وإقصاء اردوغان خلال الفترة ما بين 2015-2019، لجعل تركيا تحت سيطرة حكومة تكنوقراط.

أما الثاني، فهو إيقاف التطور الحاصل في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا عن طريق حرب شرق أوسطية جديدة بينهما وبين ألمانيا وفرنسا التي سيتم تحويلها إلى دول عدائية.

لهذا توقف اردوغان طويلا في الحديث عن الفائدة، وحديثه عن المصالحة مع واشنطن وتطبيع العلاقات معها، وطلبه من البنك المركزي "أن يعود إلى رشده"، وأنّ مسألة الفائدة ليست من أجل الفائدة فقط، ونموذج التغيير هذا هو مخرج تاريخي، ولذلك فنحن ندرك ما يجري حولنا، ولن يفلحوا... .

عن الكاتب

جميل إرتم

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس