جمال الهواري - خاص ترك برس

لا تكاد تمر سويعات من أي يوم ومنذ مدة ليست بالقصيرة في الإعلام الغربي وإعلام الدول الموالية له في المنطقة العربية ويجمعهم العداء "ما ظهر منه وما بطن" لتركيا ولشخص الرئيس أردوغان، دون أن ينشر خبر أو تعليق أو مقابلة أو تحليل لا تتم فيه مهاجمة تركيا والرئيس أردوغان بالتصريح مرة والتلميح مرات، وترتفع وتيرة هذا الهجوم بشكل مطرد مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا، والتي بدأ المواطنين الأتراك في الخارج التصويت فيها بالفعل أمس الخميس ويجري الإقتراع داخل تركيا في 24 يونيو/حزيران الجاري، تلك الإنتخابات التي سجلت غالبية استطلاعات الرأي المحايدة وذات المصداقية أن الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية والمتحالفين معه سيفوزون فيها بالشقين الرئاسي والبرلماني مع اختلاف النسب من استطلاع لآخر وهذا ليس محور حديثنا اليوم، فالكلمة الفصل تعود للشعب التركي الذي يتمتع بالحرية الكاملة لتقرير ما يشاء واختيار من يشاء.

الملاحظ وبشدة في أطراف تلك الحرب الإعلامية والتي تخفي ورائها حروب من نوع آخر بعضها سياسي وبعضها اقتصادي وحتى عسكري، أطراف تلك الحرب الشعواء جمعتها عداوة تركيا والرئيس أردوغان على تناقض واختلاف أنظمة الحكم فيها وأيديولوجاتها ومصالحها وأهدافها، فنجد أطراف منها تقع في دول غربية أسس الديمقراطية والحريات راسخة فيها منذ عقود ولكن يبدو أنها ديمقراطية على المقاس تتمدد وتنكمش حسب الطلب، وتظهر وتختفي تلك المزاعم حول الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان حسب الحاجة والمصلحة خارج حدودها، وأطراف أخرى في الشرق الأوسط تابعة وممولة من دول متجذر فيها الحكم الفردي أو العائلي المطلق أو الحكم العسكري في مزيج غريب متناقض لا يجتمع إلا إذا كان الهدف والنية خبيثة ومبيتة ألا وهي عرقلة تركيا عن مواصلة مسيرة نهضتها وتقدمها والتي وضع الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية أسسها ويعمل على تنفيذها منذ 16 عاماً تحولت فيها تركيا من النقيض إلى النقيض وشهدت تطوراً ملحوظاً في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والثقافية وغيرها، ويمتلك الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية خططاً مستقبلية ملتزمة بأهداف ثابتة ومدد زمنية محددة للوصول لتلك الأهداف في الوقت المناسب والمحدد لها سلفاً، وتهدف جميعها لإستقلالية القرار التركي والعمل على إيصال تركيا للمكانة التي تستحقها بين دول العالم المتقدم وتمكنها من خدمة مصالحها والدفاع عن حقوق الأمة الإسلامية والعربية "العمق والإمتداد الطبيعي والإستراتيجي لتركيا"، والتي باتت شعوبها تنظر لها بعين الأمل وطلب المساعدة كلما ألمت بها مشكلة أو كارثة ولا تخيب تركيا الظن فيها المرة تلو الأخرى، وهو ما لا يمكن أن ينال رضا وإعجاب الغرب وحلفاءه بأي حال من الأحوال.

الدول الغربية التي باتت ترى في تقدم تركيا بمواقفها الحالية خطراً عليها وعلى مصالحها، فبدلاً من تركيا القديمة التي كانت بوابة الغرب لتمرير مشروعاته ومصالحه في المنطقة، وجد أمامه تركيا جديدة أصبحت سداً منيعاً أمام أحلام مستعمر الأمس سمسار اليوم الذي ينظر للمنطقة العربية والإسلامية كغنيمة يعتاش على دمائها وتقاسم خيراتها وثرواتها وسحق وتكبيل وتركيع شعوبها، بدلاً من تركيا التي كانت وجهتها الغرب دون غيره إلى تركيا التي أصبحت وجهتها مصالح الشعب التركي أولاً دون إغفال واجبها تجاه عمقها العربي والإسلامي، الغرب لا يريد حرفياً أن يتواجد على الساحة الدولية وفي تركيا بشكل خاص نموذج لدولة إسلامية متقدمة متطورة دون أن تحتاج لأن تنسلخ من جذورها التاريخية وهويتها الإسلامية وارتباطها المصيري بالعالم العربي، فما يزال تلاحم واتحاد مختلف شعوب المنطقة تحت راية الخلافة العثمانية التي أذلت الغرب ودكت حصونه ووصلت إلى قلب أوروبا حتى الماضي القريب ماثلاً أمام الدول الغربية، نموذج الوحدة هذا لا يريد الغرب تكراره بين الشعوب الإسلامية والعربية حتى ولو على المستوى الإنساني والعاطفي فقط.

وفي الشرق الأوسط بعض الدول التي ترى في تركيا أردوغان وما تتخذه من مواقف مشرفة تجاه الأمة العربية والإسلامية وقضاياها المصيرية وحقوق شعوبها وخاصةً في سوريا والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والموقف الحاد والحازم تجاه ما يجري في القدس، ترى هذه الدول ما تقوم به تركيا تهديداً لمصالحها ومخططاتها للتطبيع مع الكيان الصهيوني والتحالف معه على حساب شعوبها وحقوق الشعب الفلسطيني وغيره من شعوب المنطقة خصوصاً دول الربيع العربي، والذي أضاف وقوف تركيا إلى جانب مطالب شعوبه وتطلعاتها سبباً أكثر من كاف لمناصبة تركيا والرئيس أردوغان العداء، فتلك الأنظمة القائمة على قهر شعوبها والإستعانة بالغرب وحليفه الصهيوني للبقاء في سدة الحكم ليس من مصلحتها أن تمتلك الشعوب حريتها واستقلالية قرارها وحق تقرير مصيرها واختيار حكامها، ثم جاء خطاب الرئيس أردوغان أمام القمة الإستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي والتي انعقدت في مايو/آيار الماضي ودعت إليها تركيا على خلفية قرار الرئيس الأمريكي "ترمب" بنقل السفارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس كاشفاً واضحاً حازماً محرجاً للعديد من قادة الدول العربية والإسلامية "المتحالفة مع الغرب علناً ومع الكيان الصهيوني من تحت الطاولة" والضالعة في مخطط "صفقة القرن" الرامي لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي بعد أن قامت تركيا عبر الرئيس أردوغان بتعريتهم ووضعهم في حجمهم الحقيقي، وأثبت قولاً وفعلاً أنه يكاد يقف وحيداً مدافعاً عن المسلمين والعرب ضد كل من يستهدفهم من الدول الغربية وحلفائهم في المنطقة وطفلهم المدلل "الكيان الصهيوني".

تلك الإدعاءات والهجوم الإعلامي على تركيا وصل لمستوى جديد من الوقاحة والتناقض في آنٍ واحد، يدعون بأنهم يناصرون الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما تساند دولهم الأنظمة القمعية والديكتاتورية والإنقلابية شرقاً وغرباً وتمنحها الغطاء السياسي وتتعاون معها وتمدها بوسائل الإستمرارية والبقاء، ويهاجمون تركيا متهمين الرئيس أردوغان زوراً وبهتاناً ويصورونه كأنه ديكتاتور وطاغية لتركيا التي يتمتع شعبها بكامل الحرية في الإختيار والتصويت لمن يشاء في ظل سيادة القانون ومناخ ديمقراطي لا يقل في نزاهته وشفافيته عن أمثاله في الغرب بل يكاد أن يتفوق عليه، ويتبجحون بمحاربة الإرهاب بينما تمنح دولهم حق الإقامة واللجوء للكثير من المشاركين في المحاولة الإنقلابية الفاشلة في يوليو/تموز 2016 وعلى رأسهم زعيم التنظيم الموازي "فتح الله غولن" والمقيم في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية منذ 1999، وترفض السلطات الأميركية تسليمه رغم المطالبات التركية المستمرة ليخضع للمحاكمة في تركيا بتهم عديدة ومرفق بطلب التسليم ملف مقدم من وزارتي الخارجية والعدل متضمناً العديد من الأدلة القاطعة على ضلوعه وأفراد جماعته في المحاولة الإنقلابية الفاشلة، وغيره من زعماء وأفراد تنظيم "Pkk" الإرهابي وامتداداته في سوريا والعراق والذين يجدون في الدول الأوروبية ملاذاً آمناً من العدالة التركية رغم مطالبة تركيا المستمرة بتسليمهم بالطرق القانونية المتعارف عليها دولياً.

الخلاصة

كتب المستشرق البريطاني "مونتجمري وات" في جريدة «التايمز» اللندنية في مارس/آذار 1968 مقال قال في نهايته: إذا وُجِد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإنه من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى، وهذا بالضبط ما أزعج الغرب وأذنابه والموالين له في المنطقة ودفعهم للتآمر المستمر ضد تركيا والرئيس أردوغان فقد أفزعهم التفاف قلوب الشعوب العربية والإسلامية حوله وتنامي تأثير تركيا خارج الحدود، والأهم والأخطر من هذا كله هو الأمل الذي انبعث في نفوس تلك الشعوب من إمكانية أن تتقدم دولها وتنافس الغرب وتقارعه وتقف منه موقف الند للند وليس التابع حين يتولى زمام الأمور فيها حكام وقادة مثل الرئيس أردوغان، نعم إنه الأمل والسعي نحو التغيير والتقدم وامتلاك حرية القرار وسيادته هو ما يغضب الغرب ويدفعه لحافة الجنون من تركيا وأردوغان الذي اقترب بالفعل من تأسيس الجمهورية التركية الثانية المنتمية لعمقها العربي والإسلامي وليست تركيا التابعة للغرب والسائرة في ركبه، لهذه الأسباب وغيرها تحالف الغرب وغلمانه في المنطقة لا يتوقف عن المؤامرات ويشن الحرب تلو الحرب ضد تركيا والرئيس أردوغان، والتي ستفشل بإذن الله بأصوات الشعب التركي في صناديق الإقتراع مكرراً الصفعة التي وجهها بكافة أطيافه للمتآمرين على تركيا حين نزل إلى الشارع مدافعاً عن استقلالية وطنه وديمقراطيته وحقوقه وأسقط الإنقلاب وأجهضه في ساعات معدودة.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس